مسافر يطا (منطقة اطلاق نار 918)

في تشرين الأول وتشرين الثاني 1999 طرد الجيش الاسرائيلي سكان 12 قرية صغيرة تقع جنوب-شرق جبال الخليل، شرقي شارع رقم 317، حيث بلغ تعدادهم قرابة 700 نسمة. وقد سكن أهل القرى فيها –في المغر التي حُفرت في المنطقة، قسم منها بشكل دائم، وقسم آخر بشكل موسميّ- قبل أن تحتلّ إسرائيل الضفة الغربية. وكُتب على أوامر الهدم أنّ الهدم يجري لأنّ السّكان يعيشون في “أماكن سكن غير قانونية في منطقة اطلاق نار “. وقد جرى تعريف منطقة اطلاق نار 918 التي تمتدّ على قرابة 30,000 دونم، على أنها منطقة عسكرية مغلقة منذ سنوات السّبعين.

منطقة اطلاق نار 918
منطقة اطلاق نار 918

وقد التمس قرابة 200 عائلة من سكان القرى المحكمة العليا بواسطة جمعية حقوق المواطن والمحامي شلومو ليكر. وفي آذار 2000 أصدرت المحكمة العليا أمرًا مؤقتًا قضى بالسّماح لسكان القرى بالعودة إلى بيوتهم ورعي مواشيهم في حقولهم إلى حين البتّ في الالتماس. ولكن، لم تعترف الإدارة المدنية بأنّ الأمر يسري على جميع السكان إلا بعد التوجه ثانية للمحكمة العليا، بما في ذلك المطرودون الذين لم يكونوا من الملتمسين. وفي كانون الأول 2002 جرت محاولة لتثبيت مكانة سكان القرى في إطار إجراء تحكيم برئاسة رئيس الإدارة المدنية السابق، اللواء المتقاعد دوف تسدكاه. واقترحت الدولة على السّكان، في ضمن هذا الإجراء، الانتقال للسّكن في منطقة أخرى –أصغر بكثير- جنوبيّ مدينة يطا، إلا أنّ السكان رفضوا هذا الاقتراح. وفي مطلع عام 2005 انتهى الإجراء من دون نتائج. ومن وقتها قدمت الدولة طلبات متكررة للحصول على تمديد لتقديم موقفها. وظلت هذه الالتماسات عالقة لسنوات عديدة، وظل الأمر المؤقت ساريًا.

طيلة تلك السنوات واصل السكان العيش في مجموعاتهم السكنية الآخذة في التوسع واستصلاح أراضيهم، بناءً على الأمر الصادر عن المحكمة، وفي ظل التهديد بالهدم والإخلاء والسلب. وحاولت الإدارة المدنية، وبشكل مثابر، منع تطوير بلداتهم، حيث فسرت قرار المحكمة بشكل صارم بأنه يمنع أي بناء جديد في القرى الواقعة في منطقة التدريبات. فمثلا، في كانون الثاني 2005 أمرت الإدارة المدنية بهدم 15 بئر تجميع و19 مرحاضًا بُنيت في القرى بمساعدة دائرة التطوير الدولي التابعة للحكومة البريطانية (DFID) والتي خدمت قرابة 320 شخصًا في ثلاث قرى في منطقة اطلاق النار. وفي أعقاب التماس إلى العليا قدمه تنظيم “شومريه مشباط” قضت المحكمة في شباط 2005 بتجميد أوامر الهدم شريطة أن يلتزم السكن “بتجميد الوضع القائم” وعدم إعادة بناء المراحيض وعدم توطين المباني.


لم تجدّد المحكمة العليا مداولاتها في جميع الالتماسات المتعلقة بالمنطقة المغلقة، إلا في نيسان 2012، أي بعد مرور 12 سنة على تجميد طرد سكان تلك القرى، و12 سنة أيضًا على منع أيّ إمكانية للتطوير والبناء في تلك القرى. وفي أيار 2012، بدأ الجيش، ولأول مرة منذ سنوات، بإجراء تدريبات عسكرية في داخل المنطقة المغلقة وبوضع ألواح إسمنتية عند أطراف المنطقة تُحذّر من الدخول إلى “منطقة اطلاق نار”. وبحسب شهادات جمعتها منظمة “نكسر الصمت” من جنود خدموا في المنطقة، فإنّ الجيش لم يُجرِ أيّ تدريبات باطلاق النار في المنطقة المغلقة في السّنوات الأخيرة، ولم يجرِ فيها إلا عدد من تدريبات سياقة المركبات المدرّعة.

في 19 تموز قدّمت الدولة بيانًا للمحكمة العليا وفيه موقف وزير الأمن إيهود براك الأخير في المسألة. وبناءً على هذا الموقف، تنوي الدولة هدم ثماني قرى في داخل منطقة اطلاق النار، وهي خربة المجاز وخربة التبان وخربة الصفي وخربة الفخيت وخربة الحلاوة وخربة المركز وخربة جنبة وخلة الضبع. ويعيش في هذه القرى أكثر من 1,000 شخص. وبناء على بيان الدولة، لا يستطيع سكان هذه القرى استصلاح أراضيهم في نطاق منطقة اطلاق النار إلا في نهايات الأسبوع وفي أعياد إسرائيل وفي فترتين أخريين مدة كل واحدة منهما شهر واحد، مرتين في السنة. وجاء في بيان الدولة أنّ أربع قرى تستطيع البقاء في منطقة ااطلاق النار وهي خربة الطوبا وخربة المفكرة وخربة صارورا وسيرة عوض إبراهيم- وستجرى في المنطقة تدريبات عسكرية من دون ذخيرة حية. وقد فرغت البلدتان الأخيرتان من سكانهما قبل سنوات، ولذلك لم تسمح إسرائيل عمليًا إلا لسكان قريتين يصل تعداد سكانهما إلى 254 نسمة بمواصلة السكن في المكان. وتقع في المنطقة “المسموحة” وفق الخارطة التي قدمتها الدولة للمحكمة العليا قرية أخرى اسمها مغاير العبيد. ولم تُشمل هذه القرية في قائمة القرى التي سمحت إسرائيل بمواصلة بقائها في منطقة التدريبات، ولذلك، وما لم تعلن الدولة موقفًا مغايرًا، فيبدو أنّ سكانها معرضون للطرد.

في أعقاب بيان الدولة، شطبت المحكمة العليا يوم 7/8/2012 الالتماسات المقدمة، بعد أن قضت بأنّ البيان يحوي “تغييرًا للوضع القائم المعياري”، ولذلك فإنّ الالتماسات “استنفدت نفسها”. وقضى القاضي فوغلمن بأنّ بوسع الملتمسين تقديم التماسات جديدة وبأنّ الأوامر المؤقتة التي تلزم الجيش بتمكين سكان القرى من العيش في المكان واستصلاح أراضيهم، ستظل سارية حتى يوم 1/11/2012. كما شدّدت المحكمة على أنّ شطب الالتماسات لا يعني اتخاذ أيّ موقف بشأن ادعاءات السّكان. وبعد ذلك جرى تمديد الأوامر المؤقتة حتى يوم 16/1/2013.

في 16 كانون الثاني 2013 قدمت جمعية حقوق المواطن التماسًا جديدًا إلى المحكمة العليا باسم 108 أشخاص من سكان القرى المعرضة للهدم. وطولبت المحكمة في الالتماس بمنع نقل السكان من بيوتهم بشكل قسريّ، وتنظيم مسألة سكناهم في المنطقة التي أعلنت منطقة اطلاق نار وإلغاء هذا الإعلان. وفي نفس اليوم أصدرت المحكمة أمرًا مؤقتًا عرضيًا يمنع الجيش الإسرائيلي من نقل الملتمسين وأبناء عوائلهم من بيوتهم، قسرًا. وطولبت الدولة بتقديم ردّها على الالتماس خلال 60 يومًا. وفي شباط قدم المحامي شلومو لكر التماسًا باسم 143 شخصًا آخر من المهددين بخطر الطرد. وجرى توحيد المداولة في الالتماسين.

في نهاية شهر آذار 2013 قدّمت الدولة ردًا تمهيديًا تطرق إلى مسألة الترتيبات التخطيطية فقط، ولم يشمل أيّ تطرّق للمطالب الأساسية التي طُرحت في الالتماس: منع الطرد وإلغاء الإعلان عن منطقة التدريبات العسكرية. وقالت الدولة إنها تفحص موقفها وستعرض ردّها الكامل في بيان مُكمّل خلال 90 يومًا، أي حتى نهاية شهر حزيران. في ضوء ذلك، طلب الملتمِسون وبموافقة النيابة تأجيل المداولة المحددة لنهاية أيار. الموعد الجديد الذي عُيّن هو 15/7/2013. لم يُقدّم الرد حتى هذا اليوم، وفي 7/7/2013 نشرت القاضية مريم نؤور، نائبة رئيس المحكمة العليا، قرارًا انتقدت فيه تصرف نيابة الدولة وقررت أنّ عليها تقديم ردّها حتى 12 تموز كأقصى حد. وقد تأجلت المداولة المقررة في الالتماس حتى 2/9/2013. في نهاية المداولة التي جرت في هذا اليوم، اقترح القضاة (جرونيس، ملتسر، براك-إيرز) على الأطراف الدخول في عملية تجسير، بغية التوصل إلى تسوية تكون مقبولة على السكان وعلى الدولة. في يوم 21/10/2013 اعلنت الدولة عن موافقتها على إجراء التجسير.

في تاريخ 1/2/2016 انتهت دون اتفاق الوساطة بين السلطات وسكان التجمّعين، وأبلغ الطرفان المحكمة عن نهاية هذا الإجراء. مع هذا الإعلان، وصل ممثلون عن الإدارة المدنية إلى التجمعات المتواجدة في منطقة 918 وبدأوا بتصوير المباني تمهيدًا لهدمها. في صباح اليوم التالي، وصلت قوات الإدارة المدنية والجيش إلى تجمّعي خربة جنبة وخربة الحلاوة، الواقعتين في هذه المنطقة. في خربة جنبة دمروا 15 مبنى سكنيًا تواجد فيها 60 فردًا، بينهم 32 قاصرًا. في وقت لاحق من صباح ذلك اليوم، وصلت القوات أيضا إلى تجمع خربة الحلاوة وهدمت سبعة مبان سكنية أخرى، حيث تواجد فيها 50 فردًا، بينهم 32 قاصرًا. جميع المباني التي تم هدمها كان قد بناها السكان في العامين الماضيين. كما وقامت الادارة المدنية والجيش بمصادرة ثلاثة ألواح تعمل بالطاقة الشمسية في خربة جنبة ولوحَين مثلها في خربة الحلاوة تبرعَت بها إحدى المنظمات الانسانيّة لسكّان التجمعَين. خلال ساعات الظهر توقفت عمليات الهدم، بعد أن أصدرت محكمة العدل العليا أمرًا احترازيًا بمنع هدم قسم من المنازل إلى حين انعقاد جلسة النظر فيها، وذلك في أعقاب التماس عاجل تقدم به مركز سنت ايف.