كانت الأسئلة بكل بساطة أكبر من أن أتمكن من إجابتها فبدأت أكذب عليها
بدات يومي كالمعتاد فتناولت الفطور العائلي، واستعددت لذهاب إلى المدرسة. اعتمرت حجابي وتناولت هاتفي وحقيبتي. عندما وصلت قمة التلة شاهدت المركبات العسكرية فأدركت أنهم قد أغلقوا المنطقة. لم أستطع الذهاب إلى المدرسة بسبب الحواجز. وعندما شاهدت الجرافات ركضت عائدة إلى البيت. لم أكن أشعر بمرور الوقت وكان الوقت يبدوا متوقفا. أتخيل أنني شاهدت بيتنا وهو يهدم، وشاهدت الغرف تتساقط. بعد ذلك بدأت ابنتي سدين ابنة السابعة بتوجيه الأسئلة: “لماذا يتواجد الجيش هنا؟ ولماذا عليهم ان يهدموا هذه المنازل؟ ولماذا على هؤلاء الناس أن يرحلوا؟” لم أستطع الاجابة على أسئلتها. كانت الأسئلة أكبر من أن أتمكن من إجابتها فبدأت أكذب عليها. قلت لها إن الجيش قد أخطأ، وقلت لها “إنهم لا يكرهوننا ولكنهم يتظاهرون بذلك فقط.” لا أدري إن كانت سدين صدّقتني، لكنها على الأقل هدأت. طفلة آخرى من القرية أصيب بالصدمة لدرجة أنه فقد القدرة على الكلام عدة أيام بعد أن جاءت الجرافات، لذا أعتقد أنني ربما كنت محقا عندما حاولت حماية سدين.
عندما جاء الجيش لهدم بيوت جيراننا لم أقوى على المشاهدة، وكل ما قمت به كان البكاء، وفي تلك اللحظة تحديدا أصبحت أكره، أصبحت أكره كل شيء، أكره الجنود، وأكره الإدارة المدنية، وسائقي الجرافات…كنت أرغب بزوالهم عن الوجود.
لا أريد الانتقال للعيش في مكان آخر، وأصبحت خائفا. هذا التهديد من قبل الحكومة الإسرائيلية والإدارة المدنية بترحيلنا إلى أماكن أخرى خطير جدا. إنني أخشى من المجتمع الفلسطيني، ولو أننا وجدنا أنفسنا نلتحق بقرية فلسطينية أو بلدة قائمة فسوف ندفع الثمن غاليا. الناس هناك ستكون لديهم أعمالهم، أما نحن فلا شيء لنا. البدو يعملون في الزراعة وتربية الماشية، وإذا جرى ترحيلنا فسنخسر أرضنا، وأنعامنا، ومراعينا. سنخسر كل شيء، ويلقى بنا في مكان لا نملك فيه شيئا. إننا فقراء أساسا، لكن هذا سيزيد من معاناتنا أكثر من ذي قبل. سيكون الوضع كارثيا على مجتمعنا، ولا أريد حتى أن أفكر في الأمر. أريد أن أبقى هنا.
زوجي عيد فنان والعديد من أعماله تحاكي آليات الاحتلال، وليس من السهل عليّ أن أشاهد هذه النماذج التي يصممها. يقول دائما إن من المهم التمييز بين الإنسان وبين الآلة، ويقول إنه يريد أن يسخر فنه لجعل الناس يدركون أننا يجب ان نحمل المسئولية للناس وليس للآليات. ويقول إن من المهم أن ندرك ان الآليات يمكن استخدامها في أعمال تعود على الناس بالنفع فهي قادرة على البناء تماما كقدرتها على الهدم. أتمنى لو أنني أستطيع أن أرى الأمور بهذا المنظار، لكننا لا أستطيع، فالجرافات في نظري بمثابة عقارب فهي صفراء اللون، ولها ذراع عملاق مصمم بهذا الشكل للإيذاء والهدم، ولو يصمم زوجي نموذجا جديدا لجرافة فربما أحطمه.

نعمة الهذالين معلّمة مدرسة من التجمع البدوي أم الخير في الضفة الغربية المحتلة. متزوجة من الفنان عيد الهذالين ولها منه ثلاثة أطفال هم سدين، ولين، وجوري. شهدت نعمة عملية هدم لمنزلين في قريتها، ومنذ ذلك الوقت هدم العديد من المنازل في أم الخير. أجريت هذه المقابلة يوم الخميس الثامن من أيلول عام 2011.
خلفية تاريخية عن أم الخير
أم الخير قرية بدوية فلسطينية تقع في المنحدرات الشرقية لتلال الخليل الجنوبية على بعد عشرين كيلومترا إلى الجنوب من مدينة الخليل. بلغ عدد سكان القرية عام 2007 حسب إحصاء رسمي أجرته السلطة الفلسطينية 516 نسمة. ثلثا سكان القرية لاجئين ينحدرون من العائلات البدوية التي نزحت إلى الضفة الغربية بعد أن طردتها إسرائيل من أراضيها في تل عراد عقب حرب عام 1948-1949، وكانت الضفة الغربية آنذاك تحت الحكم الأردني. ينتمي سكان أم الخير لقبيلتي الهذالين والفقير أكبر القبائل (الحمائل) التي كانت تسكن تل عراد آنذاك.
في عام 1981 أقيمت مستوطنة “كارمل” اليهودية لإلى الغرب من أم الخير، مما نجم عنه أضرار كبيرة للقبيلتين اللواتي كانتا تسكنان في قرية أم الخير، وهما قبيلتان تسكنان على بعد بضع أمتر من المستوطنة اليهودية. تعود جذور القبيلتين إلى قبيلة الهذالين التي طردت مع قبائل أخرى من منطقة تل عراد ولجأت إلى أم الخير في أوائل خمسينيات القرن العشرين. استقرت القبيلتان على قطعة أرض ابتاعوها من سكان مدينة يطا. تتركز مضارب إحدى القبيلتين في المنطقة التي أقيم عليها الجزء الشمالي من المستوطنة اليهودية، بينما تسكن القبيلة الثانية المنطقة التي أقيم عليها الجزء الجنوبي من المستوطنة ذاتها. توجد في الجيل الثاني من هاتين المجموعتين خمس أسر تسكن اثنتان منهما في الجزء الشمالي وثلاثة في الجزء الجنوبي. أما الجيل الثالث فقد أصبح يشكل 20 أسرة حتى عام 2016 تسكن ثمانية منها في الجزء الشمالي، واثنتا عشرة في الجزء الجنوبي، ويصل عددها مجتمعة إلى أكثر من 100 نفر.
نتيجة قرب مضارب العائلتين الفلسطينييتين من المستوطنة اليهودية “كارمل” تحظر الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي على العائلات بناء المنازل، كما تعمل بصورة ممنهجة على هدم كافة المباني السكنية التي أقيمت بعد تأسيس المستوطنة اليهودية المجاورة. وقد شهد هؤلاء السكان عمليات هدم واسعة في العقد الأخير تركزت أعوام 2007، 2008، 2012، 2014، 2016.

عيد بدوي فلسطيني يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي. وبحسب ما يعلق في ذاكرته فقد كان يأخذ بقايا المواد الزائدة عن الحاجة ويحولها إلى قطع فنية. ومن خلال تعقب إبداعات عيد، يشيد هذا الفيلم بالتفاؤل والنزاهة التي تمكنه من تحويل آليات الاحتلال إلى تعبير فني عن الفردية والأمل.
فريق من صناع السلام المسيحيين يجرون مقابلات مع سكان أم الخير بعد أن هدمت السلطات الإسرائيلية بيتا وطابونا في القرية.
في السابع والعشرين من تشرين الأول عام 2014 دمّر الجيش الإسرائيلي قرية أم الخير بشكل شبه تام ما تسبب في تشريد عشرات الفلسطينيين. الفيديو من إعداد فريق صناع السلام المسيحيين.
شهادة عيد سليمان الهذالين 27 عاما، متزوج وأب لطفلة، وهو بدوي من قبيلة الجهالين يسكن قرية أم الخير (تقع بالقرب منها مستوطنة كرمل) عام 2011
أم الخير قرية بدوية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 100 نسمة، تقع في منطقة تلال الخليل الجنوبية. ما أن تشرق الشمس في جبال الأردن بعد الساعة الخامسة وخمس دقائق بقليل، حتى يبدأ سكانها مهمتهم الشاقة ألا وهي العيش وسط تلال الصحراء.