عيسى يونس من قرية جنبا

عيسى يونس من قرية جنبا

عيسى يونس من خربة جنبا يحدثنا القليل حول تاريخ القرية، وعن كيفية العيش تحت الاحتلال. 

التاريخ: 03/2016

النص

اسمي عيسى يونس محمد أبو عرام من خربة جنبا ومن مواليد عام 1974. يعود تاريخ جنبا لآلاف السنين حيث سكنها الرومان. أما نحن فنسكن في جنبا منذ عهد والدي، وجد، وجد جديز كانت جنبا طريقا حضاريا يربط بين فلسطين ومصر، وتوجد فيها معالم أثرية قديمة منذ زمن الرومان والعثمانييننز كانت قوافل الحجاج المتجهة من شمال فلسطين إلى السعودية يتجهون جنوبا وكانت هذه المنطقة مكانا يستريحون فيه. في عام 1948 كان لنا دكان هنا وكنا نربي الأغنام، وعندما جاءت إسرائيل هدموا جميع البيوت والدكان الذي كنا نعتبره الأكبر في يطا كلها. لقد هدموا جميع البيوت وطمسوا المعالم الأثرية، ثم نزح أهلنا إلى يطا، وبعد الاتفاق مع الأردن وتسلمها الحكم في فلسطين بقينا هنا حتى عام 1967 وفي ذلك العام عاود الأسرائيليين الهجوم على الخربة وهدموا ما بقي منها لكننا بقينا فيها.

في عام 1985 عاد اليهود وأعلنوا القرية منطقة عسكرية مغلقة بحجة التدريبات العسكرية التي يجريها الجيش. لقد رحّلوا جميع الناس وهدموا كافة المغارات التي كنا نقطنها، وهدموا الأسقف المكونة من جذوع الشجر، وطردوا السكان بالكامل بحجة أن المنطقة تستخدم للتدريبات العسكرية حيث وضعوا أهدافا وأخذوا يتدربون على الرماية. غادرنا المنطقة مدة أربع سنوات وعدنا بعدها بالقوة رغم أنف اليهود، لكنهم كانوا يأخذون أغنامنا ويرسلوها إلى منطقة فصايل في الأغوار فندفع المال من أجل استرجاعها. ومنذ ذلك الوقت حتى 1999 كان الوضع هنا أفضل حيث كان يزورنا متضامنون من مؤسسة تعاون ونشطاء السلام وكانوا يساعدونا. وكلنا محام وهو ما لم نفعله من قبل لأن الناس لم يكونوا يعرفون المحامين سابقا. وفي عام 1999 على أمر احترازي من المحكمة بملكية هذه المنطقة، وهو ساري المفعول حتى اليوم لكننا لا نستطيع أن نبني بيوتا بل نعيش في المغارات. كلما نبني بيتا من الطوب مثلا فإنهم يهدمونه، ولكن يمنع عليهم ترحيلنا كما أنه يحظر علينا بناء بيوت جديدة لنعيش كغيرنا من الناس.

استمر الوضع على هذا الحال حتى السنة الحالية، بحيث نبني البيوت فيهدمونها وهكذا. بناء بيت هنا ليس بالأمر المكلف إذا تكفي 5000 أو 6000 شيكل لبناء بيت، لكن حين يهدمون بيتك فكأنهم يهدمون جزءا من حياتك، حين يهدمون البيت وأنت تنظر إليهم كما حدث لنا فقد سلمونا إخطارا وفي صبيحة اليوم التالي هدموا البيت. كنت أتناول وجبة العشاء وقتها وأعلم أنني لن أستطيع أن أتناول وجبة الإفطار في بيتي. عندما هدموه شعرت وكأننهم هدموا جزءا من حياتي فهو بالنسبة أعز وأغلى من فندق في تل أبيب. أتوقع أن تكون الأيام القادمة صعبة علينا. الاحتلال لا يسمح لنا بالبناء، وإذا كان يرضي الاحتلال أن نظل نعيش في الكهوف فسنبقى في الكهوف، ولكن في المستقبل سوف يكمل أبنائي تعليمهم ولن يقبلوا بهذه الحياة التي أعيشها. وما أخشاه هو أن يتركوا أرضهم ويذهبوا للعيش في المدن.

ليس أمامي سوى أن أجعلهم يحبون الأغنام أو أن يسمح لنا اليهود ببناء بيوت كتلك التي في يطا أو كبيتك أنت في تل أبيب أو غيرها، وهذا يتحقق إذا أعدوا مخططا هيكليا للمنطقة وسمحوا لنا بالبناء أسوة بالقرى الأخرى في فلسطين أو في الضفة الغربية. الفرق بين عملي هنا وعملي في إسرائيل أنني أعمل هنا بكرامة في أرضي، أما في إسرائيل فإنني أمر بستين مرحلة حتى أصل مكان عملي، فعى المعابر الإسرائيلية تجد فتاة إسرائيلية تجلس في غرفة زجاجية وتضع إحدى ساقينها على الأخرى ومن خلف الزجاج تطلب منك أن تقف، وأن ترفع يديك، وان تكشف عن بطنك وما إلى ذلك، وهذا لا يترك مكانا للكرامة لذلك افضل العيش بكرامتي مع غنمي.

أشعر بالألم حين أتذكر من كانوا يسكنون تحت هذه الأسقف وأين هم الآن، وكيف ستبدو قرية القريتين لو أن أهلها لم يرحلوا عنها، كانوا سنعيشون سعداء وهذا يترك في نفسي حسرة وألم، الشيء المهم الذي نود أن يعرفه الناس عنا…وقد زارنا أناس كثيرون من بريطانيا ولهم جزيل الشكر، وقد زارتنا مؤسسات وقدمت لنا الدعم، ونحن نشكرهم لكننا نرغب بأن يسعوا إلى مساعدتنا في أن نتمكن من بناء بيوت جديدة تجعل أبناءنا يشعرون أنهم يعيشون هنا كما يعيش غيرهم من الناس. ما نريده هو الحد الأدنى من سبل العيش بأن يكون لنا بيتا جيدا بدل أن نعيش في الكهوف. كثير من الناس ووكالات الأنباء والصحافيين عندما كانوا يسمعون بأننا نعيش في الكهوف كانوا يظنون أننا قبائل اكتشفت حديثا، بمعنى أننا معزولين عن العالم وإلا فكيف نعيش في مغارات؟ لكننا آثرنا العيش في مغارات على أن نترك أرضنا، وهذا لا يعني أننا جاهلون بل نعرف كل شيء، غير أن اليهود يريدوننا أن نعيش في مغارات، وسنعيش فيها حتى لا نترك أرضنا. جنبا خرج منها الكثير من المثقفين من معلمين وأطباء وأحد رؤساء بلدية يطا كان من جنبا وظل رئيسا للبلدية 11 عاما حتى موته، كان رجل إصلاح على مستوى محافظة الخليل بأكملها وهو من مواليد جنبا.

الأيام القادمة ستكون صعبة  علينا فالاحتلال لا يسمح لنا بالبناء، وإذا كان يرضي الاحتلال أن نظل نعيش في الكهوف فسنبقى في الكهوف، ولكن في المستقبل سوف يكمل أبنائي تعليمهم ولن يقبلوا بهذه الحياة التي أعيشها. وما أخشاه هو أن يتركوا أرضهم ويذهبوا للعيش في المدن. ليس أمامي سوى أن أجعلهم يحبون الأغنام أو أن يسمح لنا اليهود ببناء بيوت كتلك التي في يطا أو كبيتك أنت في تل أبيب أو غيرها، وهذا يتحقق إذا أعدوا مخططا هيكليا للمنطقة وسمحوا لنا بالبناء أسوة بالقرى الأخرى في فلسطين أو في الضفة الغربية.