ا.ب. من قرية جنبا

ا.ب. من قرية جنبا

مقابلة مع ا.ب. من قرية جنبا (2016)

النص

ولدت في جنبا، والتي ولد فيها والدي وجدي وجميع أفراد العائلة. كان لوالدي ستة أبناء، وكان لجدي ثلاثة أبناء عاشوا هنا حتى وفاتهم، وكان لهم أبناء لا يزالون يعيشون هنا. كان لوالدي ثلاثة أبناء وثلاثة بنات ونحن نعيش هنا أنا وأشقائي، ويعيش هنا أبناء عمومتي. يوجد لدي ثلاثة أبناء وخمس بنات وجميعهم يعيشون معي هنا في جنبا. كلنا نعيش هنا منذ بداية حياتنا. نحن نعيش في جنبا منذ زمن بعيد، وهي مهمة بالنسبة لنا فهي مسقط رؤوسنا وفيها أرضنا التي عشنا فيها طويلا وعانينا فيها عذابات كبيرة عبر السنين، فالاحتلال لم تركنا وشأننا بل مارس علينا ضغوطا كبيرة بهدف إخراجنا من جنبا، لكننا صممنا على البقاء فيها لأن فيها تاريخنا وأرضنا التي ترعرعنا فيها. لن نتخلى عنها بسهولة فقد مارسوا علينا ضغوطا بهدف إخراجنا منها وتهجيرنا، كننا أصررنا على ألا نخرج منها. 

جنبا موجودة منذ زمن الكنعانيين، وكانت بلدة تعيش على التجارة بين الشرق والغرب من خلال التجار المصريين الذين كانوا يمرون إلى مصر. كانت بلدة راقية وجميلة. في عهد والدي وجدي كان في البلدة قرابة ستين بيتا مثل هذه البيوت التي تشاهدونها، أو مثل بقايا هذا البيت. عندما جاء الاحتلال عام 1948 قصفت معظم تلك البيوت بالمدفعية وهدمت بهدف تهجير أصحابها منها، لكنهم تمسكوا فيها وظلوا فيها، واستمرت حتى عام 1985 حيث عاودوا مهاجمتها، وكذلك فعلوا عام 1954 فقتلوا أربعة رجال وأربعة جمال في هذه الخربة في يوم واحد عام 1954، وفي عام 1985 أحضروا آليات عسكرية ودمروا القرية بالكامل وهدموا كل ما هو قائم على الأرض.

كان أجدادنا وآباؤنا يعيشون في الكهوف، ونحن معهم ولا تزال الكهوف موجودة. هذا الاحتلال أصر على عدم وجودنا فوق الأرض ولا حتى تحت الأرض وهو يسعى إلى تهجيرنا، لكننا صممنا أن نظل فيها وتظل جذورنا ضاربة فيها وهذا ما فعلناه. حتى عام 1985، بعد أن دمروها لم يبق منها سوى القليل من المباني القديمة ورغم ذلك لم نخرج منها، بل بقينا متمركزين فيها حتى يومنا هذا. ثم عادوا الكرة عام 1999 وعام 2000 ولا يزالون يضغطون حتى اليوم، ففي الأسبوع الماضي أو قبل أسبوعين هدموا 12 مسكنا كانت تؤوي العائلات وقد أصبحت بدون مأوى بعد أن هدمت مساكنهم.

هذه أرضنا وبحمد الله لن تزحزح عنها ولن نتحرك منها وسنظل فيها مهما مارسوا من ضغوط، فإما أن نموت فيها أو نحيا فيها وهذه هي حياتنا. عاش جدي 84 عاما وكان قد ولد في أحد الكهوف الموجودة هنا أو كما نسميه مغارة أو طورا. زعندما كان في ريعان شبابه في الثامنة عشرة أو العشرين من عمره جاءه الجيش التركي في زمن العثمانيين وطلبوه للخدمة العسكرية. كان عنده جمل فأخرجه وربطه في ذلك الجبل هناك والذي هو ملك عائلتنا. ترك الجمل بين المزروعات ومضى معهم إلى الخدمة العسكرية. التحق بالجيش وبعد يومين أو ثلاثة انهزم الجيش التركي، فعاد ووجد الجمل مكانه فعاد به إلى البيت. كان يعيش مع والدته وكان يتيم الأب.

بعد جدي جاء والدي والذي عاش 92 عاما أمضاها جميعا في جنبا، وعاشوا حياة سعيدة في هذه الأرض التي كانوا يفلحونها، وحتى عام 1948 كانت كل الأرض ملكا لنا ولأهل القرية. كان في هذه المنطقة ثلاثة دكاكين هذا كان واحدا منها، وآخر هناك عند بيت الشيخ علي، وواحد مكان هذا البيت. كان لديهم دكاكين وكانوا يبيعون بضاعتهم للأعراب حيث كانت هذه المنطقة مليئة بمضارب البدو. كانت هناك دكاكين ثلاثة وكانت هذه القرية نموذجا وكانت مشهورة على مستوى المنطقة ولا تزال مشهورة حتى اليوم، ولهذا السبب يركزون على هذه المنطقة ويطمعون في الاستيلاء عليها.

أنا آمل أن نعيش حياة أفضل من حياتنا الماضية، والتي كانت جميلة لولا ما تعرضنا له من ضغوط ولولا انهم لم تركونا وشأننا. كانت حياتنا جميلة وكنا راضين بها. أما قادم الأيام فلا ندري ماذا تخبئ لنا الأقدار، وكيف سيكون المستقبل. نحن نعيش يومنا مع إصرارنا على أن نظل في أرضنا حتى الموت. لن نتراجع عن حياتنا هنا مهما جرى ولن نخضع لأية ضغوط أبدا بغض النظر عما يحدث. لقد تعنفنا في السابق وفقدنا أغنامنا وضغطوا علينا بشتى الطرق ولم يتركوا وسيلة، لكننا تمسكنا بأرضنا وسنظل نتمسك بها.

إنني أناشد العالم بأسره وأحرار العالم أن يناصروا هذا الشعب المظلوم، وأقول للذين يعيشون في الفنادق والمباني متعددة الطبقات والتي تبلغ المريخ إنه يوجد هنا أناس يعيشون في الكهوف في هذا العصر، ورغم ذلك فهذه الحكومة وهذه الدولة (إسرائيل) تستكثر عليهم العيش حتى في الكهوف، وتلاحقهم في لقمة عيشهم. لو نظرت جيدا ستجد الواحد منا يسكن مع عائلته في بيت طوله 5 أمتار وعرضه 5 أمتار ومسقوف بالزينكو ليأويه عائلته فيأتون بآلياتهم العسكرية ويهدمون البيت فيتشرد الأطفال وبعضهم يكون عمره سنة واحدة ويظلون بلا مأوى في البرد القارس. أقسم أنهم أمضوا ليلتين بدون مأوى وكان البرد شديدا وكانوا تحت البرد. أنت تعلم ماذا يعني للمرء ان يكون له بيت ثم يهدمونه، علما أنهم لا يملكون شيئا فهذه الأرض لنا ونحن نعيش فيها وهم يلاحقوننا. ماذا لو انقلبت الأمور؟ ها هم في المستوطنات وغيرها يقيمون المباني في أرض هي ليست ملكهم، بل هي لنا وفيها جذورنا وتاريخنا وهم يلاحقوننا فيها، والأرض ليست ملكهم ورغم ذلك يبنون المستوطنات ويعيشون فيها وفي كل يوم يضيفون مبان جديدة. يأتوننا بحجج واهية فيقولون هذا البيت أقيم بدون ترخيص، وهذا مخالف للقانون، أليست المستوطنات التي يقيمونها مخالفة للقانون؟ هل لديهم ترخيص أم أنهم يمنحون أنفسهم  ذلك الترخيص لأخذ الأرض بالقوة من أصحابها وبناء المستوطنات فيها؟ هل هذا قانوني وذاك غير قانوني؟ نسأل الله أن يبدلنا حالا أفضل من هذا الحال، وأن يصلح أمورنا ونصبح بحال أفضل لأن هذا الوضع أدى إلى الممل واليأس حتى لدى الأطفال، والحمد لله رب العالمين فماذا عسانا نقول؟