مقدمة

الحياة في ترجمة    

Photo by: Martin Brazili
Photo by: Martin Brazili

اسمي علي راشد إبراهيم علي عوض، وعمري ثمانية عشر عاما، و أعيش في قرية طوبا، التي تقع إلى الشرق من يطا، جنوب الخليل، و هي أيضا قريبةمن مستوطنة تدعى معون. يعمل سكان طوبا في الزراعة وتربية الأغنام. تفصل مستوطنة معون وغابتها (خافات معون)بين مدرستي وبيتي، و يرافقنا الجيش الاسرائيلي في طريقنا إلى المدرسة ذهابا وإيابا لحمايتنا من قطعان المستوطنين الذين يقطنون المستوطنة والغابة، و قبل أن يكون هناك جيش يراففنا إلى المدرسة كانت الأوضاع أسوء مما هو الحال الآن، لأن المستوطنين كانوا يهاجموننا ويعتدون علينا. ورغم أن مرافقة الجيش لنا في طريقنا إلى المدرسة أفضل مما كان عليه من قبل، إلا أنني أتمنى أن يأتي يوم أكون فيه قادرا على الذهاب إلى مدرستي بحرية دون جيش أو اعتداء مستوطنين.

أنا أعيش وحيدا في كهف، ولكنني لا أشعر بالوحدة لأنني أعيش مع بعض الحمائم والعصافير والقطط، وأنا سعيد جدا بالعيش مع هذه الحيوانات كرفقاء لي. العصافير تستيقظ مبكرا، وصوت زقزقتها يوقظتي مبكرا أيضا، لهذا فإنني أبدأ يومي بشكل جيد، و الآن أستعد لتقديم امتحانات التوجيهي(امتحانات الثانوية العامة في فلسطين)، فأضع كتبي على الطاولة، و أضيء مصباحي الصغير، و أبقى في كهفي لوحدي وأدرس لساعات طويلة، أحيانا حتى منتصف الليل، وأتمنى أن أحصل على علامات عالية في امتحانات التوجيهي، لأنني بعد أن أنتهي من المدرسة أريد أن أن أذهب إلى الجامعة، و أدرس الترجمة، لأن الترجمة تساعد الناس في التواصل مع بعضهم البعض، والناس يحتاجون لمعرفة ما يجري حولهم، وكيفية العيش فب هذا العالم. تختلط عليّ المشاعر إزاء التفكير في الانتهاء من الدراسة، فتارة تراودني مشاعر حزينة، ﻷن هذه المدرسة هي مدرستي الوحيدة التي درست فيها، وتعلمت فيها الكثير، وتارة أخرى شعور بعيد آخر هو أنني لن أذهب إلى المدرسة، و سوف أذهب إلى الجامعة، و أتابع تحقيق حلمي، ودراسة الترجمة.

أحب أن أترجم القصص، ﻷنها تضع الناس في مغامرة. أصعب شيء في الترجمة، إيجاد العلاقة ببن معنى المفردة نفسها، و ما تعنيه هنا في سياق معين، و يجب أن أترجم الكلمات في الجملة على أساس أنها تكمل بعضها البعض ﻹعطائها المعنى المراد من الجملة،  كما ينبغي أن أترجم الشعور أيضا، وأنا أجد متعة في ذلك.

 مصطلح (black sheep) في اللغة الإنجليزية ليس موجودا في اللغة العربية، لذا إذا ترجمت كل كلمة على حده للغة العربية لن نحصل على المعنى الحقيقي له، ﻷن(black) تعني أسود و ( sheep)تعني نعجة،  وإذا لأصبح المعنى للمصطلح هو “نعجة سوداء” و إذا قلته ﻷحد، سبقول لك بإمكانك ان تجد نعجة سوداء في أي مكان، ﻷن وجود نعجة لونها أسود أمر ليس بالغريب، و لكن كمصطلح ( black sheep) في الإنجليزية يدل على الشخص الذي يشذ عن عائلته ومعتقداتها، وأنا ( black sheep) بالنسبة لعائلتي، ﻷن جميع أفراد عائلتي مزارعون، وأنا الوحيد في عائلتي الذي وصلت إلى الثانوية العامة، وأنا الوحيد الذي يتكلم اللغة الانجليزية، وأتمنى أن يصبح بين أفراد عائلتي مزيدا من (black sheep).

أنا أيضا أحب الشعر، وهناك قصيدة أحبها جدا، يتحدث فيها الشاعر عن حبه لفتاة، والأبيات المفضلة لدي في هذه القصيدة هي:

أرنو إليك فتحتويني هيبة       

فأرد طرفي خاشعا مغلوبا

الأشخاص الذين في سني قد يعيشون تجربة من الشعور مثل هذه القصيدة، وعندما تحب فتاة، فسوف يعتريك شعور كالذي اعترى.

كما أن لدي شعور بالتفاؤل بأن حلمي سوف يتحقق، و لكنني متأكد بأن الاحتلال قد يعيقني، فماذا بوسعي أن أفعل لمواجهة الاحتلال؟

لهذا فإنني أحاول أن لا أجعل الاحتلال يوقف حلمي، ﻷني لا أهتم كثيرا بما يفعل،  وكل ما يهمني هو ماذا سوف أكون، لذلك أدافع عن حقوقي بالقانون، ﻷن أعمالي صادقة ومبررة، وأنا لا أظهر لهم ذلك لأنه يجعلهم يدّعوا بأنني أريد أن أضرهم، ولا أعطيهم عذراً يتخذونه حجة لكي يوقفوا حلمي.

(تستند هذه الفقرات إلى مقابلة أجريت مع علي راشد إبراهيم علي عوض في أيار (2016).

خلفية

خلفية تاريخية عن طوبا

طوبا قرية فلسطينية في تلال الخليل الجنوبية بلغ عدد سكانها عام 2007 حسب إحصاء رسمي أعدته السلطة الفلسطينية 72 نسمة. ينتمي معظم سكان القرية إلى قبيلة عوض التي تعود جذورها إلى مدينة يطا حيث سكن أجدادهم على مدى خمسة أجيال منذ القرن التاسع عشر. في عام 1979 قدمت عائلتان من قبيلة أبو جندية للسكن في طوبا. كانت توجد في طوبا خمسة كهوف سكنية كانت قد حفرت قبل أن تنتقل عائلة عوض للعيش هناك، وبعد انتقالها حفرت العائلات العديد من الكهوف السكنية.   

طوبا واحدة من قرى تلال الخليل الجنوبية التي يعيش سكانها في الكهوف والتي لم تعترف بها السلطات الإسرائيلية بعد احتلالها الضفة الغربية عام 1967. في تشرين الثاني من عام 1999 طرد الجيش الإسرائيلي سكان طوبا في إطار عملية ترحيل لسكان الكهوف من منطقة مسافر يطا التي يعتبرها الجيش الإسرائيلي منطقة إطلاق النار 918. وبعد عدة أشهر سمح للسكان بالعودة إلى قراهم بناء على قرار مؤقت اتخذته المحكمة العليا الإسرائيلية. ومنذ عام 2000 وحتى الوقت الحاضر يعيش سكان طوبا معاناة وضغوط هائلة يمارسها المستوطنون سكان مستوطنة ماعون التي تبعد عن القرية نحو كيلومتر ونص الكيلومتر إلى الغرب، وخصوصا سكان مستوطنة حافات ماعون القريبة. وجراء الضغوط التي يمارسها المستوطنون أغلقت الطريق الواصلة بين طوبا ويطا، وبعد إغلاقها بقليل أقام المستوطنون مزارع لتربية الدجاج على الطريق. وما بين أعوام 2002 و 2004 كان المستوطنون يمارسون أعمال العنف ضد طلبة المدارس الذين يتوجهون من طوبا إلى مدرسة في قرية التواني المجاورة ويحولون دون وصولهم إلى المدرسة. لجأ السكان إلى مؤسسات حقوقية دولية وإسرائيلية والتي بدورها توجهت إلى لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي). وبعد تدخّل اللجنة أصبح الجيش الإسرائيلي يرافق الطلاب ذهابا وإيابا إلى المدرسة في التواني، ولا يزال هذا اللإجراء مستمرا حتى اليوم (2016). ويواصل مستوطنو ماعون ممارسة العنف ضد سكان طوبا في محاولة لترهيبهم. يعود الفضل في استمرار مرافقة الجيش الإسرائيلي طلاب طوبا  إلى الجهود المتواصلة والمتابعة اليومية التي يقوم بها متطوعون من المنظمة الإيطالية “حمامة العمليات”.

معرض الصور
 
افلام
 
الحياة بالترجمة

الشاب علي عوض طالب من قرية طوبا يبلغ من العمر 18 عاما أنهى للتو دراسته الثانوية ويروي القليل عن حياته وأحلامه…

مغراتنا هي بيتنا – مقابلة مع علي عوض

علي عوض من طوبا الواقعة في تلال الخليل الجنوبية يروي لنا حكاية المكان الذي ولد فيه ويحدثنا قليلا عن حياته

إحدى أخطر الرحلات إلى المدرسة ذهابا وإيابا في العالم كله

هؤلاء الأطفال الفلسطينييون يحتاجون إلى حراسة عسكرية للوصول إلى مدارسهم. إعداد مصورة الفيديو الصحفية كاميلا شيك في فلسطين.

صوتيات
 

عمر محمد جندية

مقابلة مع عمر من قرية طوبا (2016).

النص

اسمي عمر محمد أحمد جندية، وعمري 48 سنة. يمكن القول إنني ولت في خربة التواني هنا. تم تهجير أجدادنا وآبائنا منذ عام 1948، فوالدي قدم من منطقة القريتين وسكن في سوسيا عاما واحدا، ولكن لأن الماء لم يكن متوفرا في تلك المناطق كما هو متوفر اليوم لم يعجبهم العيش في سوسيا فانتقلوا إلى هنا إلى خربة التواني، وكان فيها بئر ماء فيه نبعة وهذا ما شجعهم حيث كان الماء متوفرا وفي متناولهم، وكان في البلد متسع للأغنام والحيوانات حيث لم يكن في المنطقة مستوطنون ولا غيره. سكننا في التلة قرابة 29 عاما وقد ولدت أنا في التلة التي يوجد عليها الآن مستوطنة تدعى “خافات ماعون”. لم تكن الأرض ملكا لنا وبعد 29 عاما وقع خلاف بيننا وبين أصحاب الأرض، وكان والدي قد اشترى أرضا في هذا المكان هنا في عهد الأردن فحفرنا هذا الكهف وكهفا آخر في المنطقة وانتقلنا للعيش هنا عام 1979. لم أغادر هذه المنطقة يوما واحدا منذ ولادتي عام 1967. هذه المستوطنات أقيمت عام 1982 وقبل ذلك لم نكن نرى المستوطنين ولم نكن حتى نعرف اليهود، ولكن منذ بناء هذه المستوطنة ونحن نواجه المشاكل، في حين لم نكن في السابق نخشى على أغنامنا ولا على ممتلكاتنا، أما بعد قدوم المستوطنين فالراعي يعيش في خوف وطالب المدرسة يعيش في خوف، والسكان في بيوتهم يعيشون في خوف، بمعنى أن ظروفنا صعبة للغاية.

الجميع هنا يعتمدون في معيشتهم على الثروة الحيوانية وعلى الزراعة وعلى أشياء بسيطة ينفقون منها على عائلاتهم. عام 1997 هدموا هذه الخرب وكانوا يسلمون إخطارات لكافة الخرب الموجودة في المناطق السفلى. لم نكن نرى موظفي التنظيم ولم يسبق أن أتوا إلينا، وفي عام 1997 أتوا فجأة وهدموا هذه الخربة بالكامل ولم يتركوا حجرا في مكانه، ولم يبق سوى هذه المغارة التي نحن فيها الآن لأنه كان فيها كمية من الحبوب ولم يتمكنوا من إخراجها. فيما عدا ذلك لم يتركوا جدارا ولا حجرا في مكانه ورغم ذلك بقينا هنا. بعد ذلك بدأنا ببناء الخربة من جديد واسغرق ذلك سنتين. ثم تحدثنا مع محامين، ولم أقابلهم بنفسي لكن شقيقي إبراهيم قابل محامين في بيت لحم واستطاعوا أن يحصلوا على أمر احترازي مدة سنتين. لم ألبث أن أكملت بناء الخربة حتى عادوا من جديد وسلمونا إخطارات عام 2000. لم تكن حظيرة الأغنام جاهزة فجاؤوا في أواخر عام 1999 أو بداية 2000 واعتقلوا شقيقي إبراهيم أسبوعا في معتقل المجنونة، ثم عادوا إلينا وأصروا على أن نرحل من الخربة. على مدى أكثر من أربعة أيام كان الجيش يأتي إلينا ويطالبنا بالرحيل، وأخيرا جاء ضابط وهددنا بتفجير كل المساكن إذا لم نرحل. قال إننا إذا انصعنا لأوامره ورحلنا فقد نستطيع ان نعود من خلال محام، أما إذا رفضنا الخروج فسوف يهدمون الخربة. انتقلنا من هنا إلى خربة التواني وأقمنا فيها أربعة أشهر. لم نكن وقتها نعرف شيئا عن المحامين، وكان موسى الشيخ يعمل مع لجنة الدفاع عن الأراضي فإذا به يحضر فتيات ومحاميات من جماعات حقوق الإنسان فأعطيناهم كل ما لدينا من مستندات تثبت ملكية الأرض، والتقينا بهن عدة مرات في الخليل، وبعد ذلك تم ترحيل كافة سكان الخرب في العام نفسه حيث رحلنا نحن في شهر تشرين ثاني وبقية الخرب في فصل الربيع أي في شباط تقريبا حيث كانت نبت الزرع. المحامي شلومو ليكر ترافع عن الخر السفلية وعنا نحن ترافع نيتع عمر. بعد أن أمضينا أربعة أشهر في التواني عدنا إلى الخربة بعد أن حكمت المحكمة لصالحنا. أخبرونا أنه يحظر علينا إقامة منشآت جديدة كما يحظر علينا الرحيل لأننا إذا رحلنا لن يسمح لنا بالعودة. بقينا في المنطقة ثم اندلعت انتفاضة عام 2000 وبدأنا نواجه مشاكل مع الطريق وبعد عام 2002 منعنا المستوطنون من استخدام هذه الطريق نهائيا رغم أنها موجودة قبل قدوم المستوطنين وكانت تخدم جميع الخرب. هذه الطريق وطريق المشخة كانت تخدم كافة الخرب السفلية.

استولى المستوطنين عليهما آملين أن يخرج الناس من بلادهم لكن الناس فعلوا المستحيل حيث أصبحنا نستخدم طرقا التفافية تصل إلى 15 كيلومترا حتى نصل القرية. كان المستوطنون يعترضون طريق طلبة المدارس ويعتدون عليهم  وعلى الرعاة، وكانوا يحتجزون الرعاة 24 ساعة أو أكثر ويفرضون عليهم غرامات تتراوح بين 1000 و 500 شيكل. كانوا يحتجزون الراعي ويفرضون عليه غرامة ثم يهددوه بغرامة أعلى قد تصل 2000 شيكل إذا عاد للمنطقة. كانت ظروفا صعبة للغاية، وفي عام 2004 أصبح يتوافد متضامنون أجانب وتحسن الوضع. في عام 2002 كان الطلاب يذهبون إلى مغاير العبيد ويقطعون مسافات طويلة تصل إلى 10 كيلومتر لكن عندما جاء المتضامنون وجماعة “تعايش” صاروا يتفهمون الوضع وتدارسوا أوضاع الطلبة ويرافقوهم إلى المدرسة. لقد تعرض الطلاب للضرب عدة مرات وهم برفقة المتضامين وكانوا يعتدون حتى على المتضامنين. بعدها أثار المتضامنون الأجانب ضجة أدت إلى تخصيص دورية عسكرية لمرافقة الطلاب.

منذ عام 2004 حتى اليوم يذهبون إلى المدرسة بمرافقة الجيش. قبل ذلك كان تحدث مشكلات بين المستوطني وطلبة المدارس والجيش حيث المستوطنون يعتدون بالضرب حتى على الجيش. في طفولتي وكما تعلم كحال بقية الأطفال كنا نقلد كبار السن ونتقمص دورهم في لعبنا. كانت عائلاتنا تربي الأغنام والأبقار والجمال وفي صغري كنت انا وأقراني نتظاهر أثناء اللعب أننا نملك الأغنام وما إلى ذلك. ثم تطورت أوضاع الناس. كنا نعرف ما هي الكهرباء ولم نكن جهلاء تماما ولكن الانتقال من استخدام السراج الذي لا يكاد يضيء أمامه إلى استخدام الكهرباء كان نقلة نوعية وشيئا غريبا بالنسبة للسكان إذ كنا نعتقد أن من المستحيل وصول الكهرباء إلى هذه المناطق. وهذا ساع كثيرا أيضا في تصنيع منتجات الحليب فقد كانت المرأة تخض الحليب من الصباح حتى المساء أما الآن فتكفيها ساعة واحدة بفضل الكهرباء. كنا نخرج للعمل ونعود في المساء والمرأة لا تزال منهمكة في خض الحليب، أما الان فتستخدم الكهرباء في الخض وفي غسل الملابس أيضا. لكن رغم ما كان ينقصنا في السابق كانت الحياة أفضل فلا مشاكل مع المستوطنين ولا غيرها. كنا نعيش بهدوء ولا نفكر سوى في أنعامنا وأغنامنا ولا نهتم بالسياسة وغيرها. كان أفراد العائلة يجتمعون من حين لآخر. لم تكن الهواتف متوفرة فكنا حين يخرج البعض للعمل لا نتواصل معه فنظل قلقين حتى يعود، بخلاف هذه الأيام حيث تستطيع أن تتواصل هاتفيا وتعرف متى سيعود وإن كان سيتأخر. كان آباؤنا وأجدادنا يخشون على أغنامهم من الضباع والوحوش، وأذكر أن وحشا كان يهاجم الأغنام ويقتلها هنا في التلة. لم يكن الناس يخافون على أنفسهم بل على أغنامهم وثرواتهم الحيوانية.

كانت هناك حكايات عن الضباع مثل حكاية أبو صبحة “شلاش” الذي كان صاحب دكان في منطقة القريتين. يحكى أنه عاد في ساعة متأخرة من الليل إلى القرية، وعند منحدر العرقوبة كان ضبعا يتربص به فبال الضبع على ذنبه ورش البول على الرجل فأسبح يسيطر عليه ذهنيا. كان الضبع يستدرجه كي يأكله، فسار الضبع والرجل يسير وراءه حتى وصل جحر الضبع ولحسن حظه عندما هم بدخول الجحر خلف الضبع ارتطم رأسه بالصخر فسال دمه ثم أفاق من سيطرة الضبع وأخذا يصيح مستغيثا بأمه وأبيه فهب الناس لمساعدته وكان لدى أحدهم بندقية فأخذ يطلق النار في الهواء حتى خاف الضبع من صوت الرصاص وهرب.

كانت أمي رحمها الله امرأة طيبة وكريمة وكان الجميع يحبونها. كانت كريمة وتحسن إكرام الضيف وكان الجميع يشيدون بمناقبها. مضى على موتها 29 عاما. أنجبت 10 أطفال أنا كنت آخرهم ولذلك كانت تحبني كثيرا. أما والدي فقد توفي عام 2000 أي قبل 16 عاما. أمي توفيت عام 1987 تقريبا. كما تعلم المرء يحب المكان الذي يترعرع فيه وأنا أحب هذا المكان ولا أطيق البعد عنه وحين أغادره إلى البلدة لا أشعر بالراحة ويصيبني الصداع، ولا أستعيد عافيتي إلاّ بعد أن أعود إلى هنا، لأنني عشت عمري كله في هذه المنطقة ولا أطيق فراقها ساعة واحدة. 

علي عوض يتحدث عن الصداقة

علي عوض من قرية طوبا يروي قصة حول صداقة مثيرة.

النص

علي إبراهيم علي عوض

اسمي علي إبراهيم علي عوض من سكان خربة الطوبا أود أن أروي قصة حول إنجاز مشروع الكهرباء عندما تعرفت للمرة الأولى على إلعاد وفريقه جميعا الذين عملوا على المشروع من خلال “كوميت”، كانت لدي في البداية ربما تحفظات معينة، لأني لم أكن أعرفهم هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى هم قادمون من بلاد…ولن تستطيع أن تعرفهم من لقاء واحد، أو لقائين أو حتى ثلاثة لقاءات، لكن بالتدريج حدث التواصل ونشأت المحبة بيننا وبين هؤلاء الناس الذي أتوا بالطبع لمساعدتنا، بينما يقول الطرف الآخر إنهم لم يأتوا لمساعدتنا.

كان فريقا كبيرا جدا، وأخبرني “عزرا” من مؤسسة تعايش “سوف ننجز مشروعا للكهرباء والخلايا الشمسية والتروبينات الهوائية، لكننا نحتاج مساعدتك يا علي أنت وجيرانك أحمد عمر وعائلة إبراهيم.” سألنا عما هو المطلوب منا فقالوا نريد فريقا من المتطوعين الفلسطينيين ليعمل مع فريق من الاسرائيليين والأجانب، ونريد منكم توفير مكان للسكن. الفكرة طرحت علي لأنني متواجد دائما بحكم عملي كسائق تراكتور، وكنت أشارك سابقا في فعاليات وكان لديهم رقم هاتفي. عندما طرحت الفكرة على الجيران أبدوا استعدادهم التام للقيام بكل ما هو مطلوب، فقالوا لنا إن الفريق الفلسطيني سيعمل تطوعا ويجب أن يكون لديه كل ما يلزم وأن يضم معلما، فأبدينا الموافقة.

أخبرونا انهم مستعدون للسكن في منزل أو في مغارة، وسيتناولون وجبتي الفطور والعشاء في بيتك وما تبقى سيكون في الجوار. أما مكان العمل فسيكون الطوبا، ومغاير العبيد، والصفي الفوقا، والصفي التحتا وأم الخير. تم إضافة أم الخير في المرحلة الأخيرة. أبلغت الجيران الذين تقبلوا الأمر بصدر رحب. توجد مغارة هناك حيث تتواجد الجمال، فشكلنا ما يشبه اللجنة أو لنقل بذل كل منا ما بوسعه وأحضرنا الفراش إلى المغارة وكان كل شيء على ما يرام. أذكر أن هذا كان في الثامن من كانون الثاني 2010 أي قبل ستة أعوام. كان يوم أحد وجاء الفريق وقد استأجروا سيارات ومعهم سيارة من مؤسسة “كوميت”. كان أول ما قمنا به هو إعداد حفرة للتأريض (الإيرث) ومن ثم تركيب 3 خلايا شمسية وبعد ساعة ونصف الساعة أصبح التيار الكهربائي متوفرا من خلا ست بطاريات للتخزين.

أجمل ما في الأمر أن الفريق الفلسطيني والأجنبي كانوا يعملون أثناء النهار وفي ساعات المساء نجتمع جميعا قرابة 20 شخصا في المغارة. كان المسئول عنهم يعطي ملاحظات حول أداء أفراد الفريق الإيجابي أو السلبي، كان شيئا جميلا وكنا نسهر حتى العاشرة أو الحادية عشرة ليلا، واستمر ذلك ثمانية أيام وكانت بداية العمل الميداني. ثم أخبروني أنهم سيغادرون مدة 35 يوما وسيعودون بعدها ليعملوا بالطريقة ذاتها أي أن يقيموا في المكان ويعملوا. وبعد 35 يوما عادوا وأكملنا المشروع، وفي نهاية المشروع قالوا إنهم سيقيمون احتفالا على نفقتهم وليس على نفقة السكان المحليين. كان احتفالا بسيطا قدمت فيه الفواكه حيث أقمنا خيمة قرب البيت هنا ودعونا أناسا من الخرب التي شملها المشروع، وحضر قرابة 100 شخص ما بين سكان محليين وأفراد فريق العمل. كان يوما جميلا إذ استغرق حوالي 5-6 ساعات حتى ساعات ما بعد العصر. في المساء بقي المهندسون إلعاد ونوعم وكنت أنا معهم أنقل الأغراض وأتلقى أجرة مقابل لمصاريف التراكتور فقط. كنت أنقل المواد الخاصة بالمشروع من أم الخير ومن يطاز وفي تلك الفترة ترك إلعاد حقيبة عند والدتي. كانت سيارة الفورد المهجورة هنا، فأخذت أمي الحقيبة ووضعتها في البيت. وبعد أن تناولنا العشاء هنا بعد الاحتفال كان إلعاد وعزرا قد طلبوا من الآخرين أن ينتظروهم حوالي 15 دقيقة كي “نودع علي في بيته”.

حتى الآن عندما نلتقي ونتصافح أنا وأفراد الفريق من فلسطينيين وأجانب وإسرائيليين لا تكون مجرد مصافحة عادية بل عناقا كما لو أننا أشقاء، وهو يذكرونني في كل مناسبة، فيقولون إنهم أتوا إلينا واستضفناهم مدة من الزمن وتطورت بيننا علاقات أخوية، وقد كنا بالفعل كالأشقاء. سأروي لكم باختصار حكاية إلعاد عندما أحضر زوجته وصادف أن ناقة كانت تضع مولودا فأخذت تنظر إليها، وقالت لها والدتي “انظري ها هي الناقة تلد فلماذا لم تنجبي أنت طفلا” فقالت إننا لم نقرر أن ننجب طفلا بعد، وجهت والدتي السؤال ذاته إلى إلعاد، الذي أصبحت تربطها به علاقة قوية، فقال لها إننا لم نقرر بعد أن ننجب طفلا، فقالت له أنت الآن متقدم في السن وكان عليك أن تنجب طفلا في صغرك، فقال لها سنفكر في الأمر. وبعد غياب دام فترة اتصل بي وقال لي إن “حجيت” حامل فأبلغت والدتي. قال لي وقتها إن والدتي هي صاحبة الفكرة لأنهم لم يفكروا في الإنجاب، وبعد أن أصبح عمر طفلهم 5-6 أشهر جاؤوا لزيارتنا ومعهخم الطفل لتراه والدتي، وكان فرحا بطفله وخصوصا أن والدتي البالبغة من العمر 65 عاما كانت صاحبة الفكرة وهي التي شجعته على إنجاب طفل. كان إلعاد يسكن في بيت شيمش وكان لدي تصريحا لدخول إسرائيل فزرته في بيته وكنت صائما وعند الساعة الثالثة فجرا أفاق من نومه وأعد لي الشاي وطعام السحور فأكلت ودخنت السجائر ثم خلدت للنوم. وعند الساعة الحادية عشرة صباحا أقلني في سيارته حيث كان متجها إلى مكان عمله، وأوصلني إلى مزرعة الأبقار ومن هناك عدت إلى منزلي. أتوجه إليهم جميعا بالشكر، وأشكر الله أن رزقني بأناس من الطرف الآخر ليكونوا أصدقاء لي من ناحية ومن ناحية أخرى أنجزنا مشروعا للمنطقة، فحمدا لله على ذلك، وأتمنى أن تصبح أنت صديقا لي أيضا وتأتي لزيارتنا واحتساء الشاي.   

         

مستندات
 
قصص من مجموعة القرى (إنجليزي) |

ثلاث قصص قصيرة من تأليف إريلا دونايفسكي مستوحاه من مجموعة القرى: “شكرا عزيزتي جنبا”، “البامبي  والماعز”، “الدرس السادس”.