جنبا السحرية
اسمي أ.و، ولدت في كهف في خربة بير العد عام 1988، و بعد ذلك قام الجيش الإسرائيلي بطردنا من خربة بير العد، فانتقلنا إلى جنبا، و الآن أعيش في جنبا. تزوجت قبل ثماني سنوات، و عندي ابنة واحدة في الصف الثاني و ابنان أيضا.
أريد أن أخبركم عن الحياة هنا في جنبا. السكان هنا يعيشون حياة بسيطة، و يعملون في تربية الأغنام، و يعتنون كثيرا بأغنامهم، و يأخذون أغنامهم الى الاماكن الرعوية في أراضيهم، و هكذا هي حياة الرجال.
أما بالنسبة للنساء فنحن نعمل على تنظيف حظائر الأغنام، و ترتيب بيوتنا، و نعتني بتربية أبنائنا. عندما أنتهي من عملي خاصة في فصل الربيع، أحب أن أنظر إلى الجبال والشمس، و في الربيع يكون الطقس هنا جميلا جدا، و أنا أستمتع بالنظر إلى الأرض الخضراء، وإلى الطيور .
هذا المكان لا يوجد فيه عدد كبير من الناس، ومن الصعب وصول السيارات إليه، لذا فهو مكان مميز للعيش والإسترخاء، وتستطيع العيش فيه كيف تشاء .
أود أن أخبركم عن صورة رائعة جدا في مخيلتي عندما كنت صغيرة جدا، و لم أكن قد انتقلت من بير العد للعيش في جنبا. كنت بالعادة أنظر إلى جنبا من بير العد، و كنت أشاهد الحقول الخضراء من حولي. لقد كانت صورة جميلة جدا، و لا تزال محفوظة في مخيلتي.
أنا أحب الصيف أيضا، لأن كل شيء يكون أصفر، أصفر ، أصفر ، كل شيء باللون الذهبي.
نحن نعيش في خيام بلاستيكية، لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح لنا ببناء البيوت العادية، لذلك في الشتاء نسمع صوت تساقط حبات المطر على سقف الخيام البلاستيكية، وأنا أستمتع بسماع ذلك الصوت منذ بدأت العيش في الخيام البلاستيكية. وفي الربيع أستمتع بالحقول الخضراء، وفي الصيف أستمتع بالحقول الذهبية، إنها مثل السحر، وجنبا أيضا سحرية، وكل الأراضي الفلسطينية ساحرة الجمال.
جدي وجدتي ولدوا هنا، في المكان الذي كان يعيش فيه آبائهم و أجدادهم. جميعهم و لدوا هنا وماتوا هنا أيضا. والد جدي اسمه (حسين محمود جبارين) (أبو خالد) ، وجدي اسمه (أبو علي). الكثيرون يأتون من أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية لرؤية جدي و مقابلته، لأنه إذا رغبت بأن تعرف شيئا عن جنبا وباقي القرى، تستطيع أن تسأله عن هذه القرى، وعندما و افته المنية حزن الكثير من الناس لفراقه لأنهم أدركوا أنه ترك فراغا كبيرا.
ذات يوم جاء رجل من أهل البادية (بدوي) يسأل عن جدي (أبو علي) ظنا منه أنه لا يزال حيا، و لم يكن يعلم بوفاته، وعندما قيل له إنه قد مات، حزن عليه ذلك الرجل، حتى أنه بكاه بكاءًا شديدا.
تستطيع أن تسأل الكثيرين عن جدي (أبو علي) فالجميع حزنوا عليه عندما توفي، لأنه كان رجلا عظيما، ولطيفا جدا. لم يكم يهتم كثيرا بشأن الاحتلال، وقال إنه يريد أن يعيش هنا، وكان له ذلك. كان يحب أغنامه، و يحب كهوفه كذلك. إذا شئت أن تعرف من هو (أبو علي)، اذهب إلى الجبال، اذهب إلى الكهوف، انظر إلى الأغنام، انظر إلى البيوت والخيام، اسأل الصخور عنه، جميعها سوف تخبرك عنه.
أهم إنسان في حياتي هي أمي، وأنا أحبها كثيرا، وهي تعني لي الكثير، لأنها هي التي علمتني أن أكون صبورة، و علمتني كيف أعيش بين الناس، ﻷنك تحتاج للتعرف على الناس، لكي تكون قادراً على أن تعيش بينهم، وفي كثير من الأحيان عندما أفقد نفسي، أنظر فقط إلى أمي.
تستند هذه الفقرات إلى مقابلة أجريت مع (أ.و) من قرية جنبا في آذار 2016.
خلفية تاريخية عن جنبا
تقع جنبا في الركن الجنوبي الغربي من مسافر يطا، وأول من استقر فيها عائلات من يطا، في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، ومع مرور الوقت حصلوا على ضمان ملكية(طابو)من الدولة العثمانية للأرض الممتدة جنوبا عند المنطقة التي تعرف اليوم ب(عراد) وإلى البحر الميت شرقا. كانت جنبا بلدة تجارية ذات أهمية ومحطة استراحة للمسافرين في رحلات بين الشرق والغرب، وفي سبعينيات القرن التاسع عشر ظهرت جنبا والتجمعات المحلية الأخرى على الخرائط التي رسمت من قبل (صندوق استكشاف فلسطين)، وبعد نصف قرن كانت جنبا كبيرة بما يكفي لتبرير وجودها على خرائط الانتداب البريطاني.
كان التجمع السكني آنذاك يحوي ما بين ثلاثين إلى أربعين منزلا تقريبا، والعديد من الكهوف الطبيعية، وثلاثة دكاكين أيضا، ومسجد، ومصنع للفخار، وبساتين فاكهة .
هناك صورة جوية التقطت عام 1945، تبين أنه كان هناك بستان واسع يحيط بالتجمع السكني.
ومنذ عام 1948، تم تدمير العديد من القرى الفلسطينية وطرد سكانها منها، وكانت البداية إبان حرب (1948-1949) فيما بات يعرف اليوم بالجانب الإسرائيلي داخل الخط الأخضر، و منذ ذلك الوقت، وحتى عام (1967) والقرويون مستمرين في إعادة بناء قراهم مستخدمين الأنقاض للإنشاءات المختلفة.
وفي ثمانينيات القرن العشرين، هدمت السلطات الإسرائيلية أكثر من ثلاثين كهفا، وأحد عشر منزلا، ومسجدا كان قد هدم مرة أخرى من قبل، كما أتلف العديد من أشجار القرية .
و في منتصف ثمانينات القرن العشرين، خصصت المنطقة كمنطقة عسكرية لإطلاق النار، وما تزال التدريبات بالذخيرة الحية تجري في المنطقة .
رغم المنع الإسرائيلي لسكان جنبا من إعادة بناء هيكل جديد، وتحسين البنية التحتية، و المرافق الحديثة، ووسائل الراحة، إلا أنهم يصرون على مواصلة العيش فيها.
يفتقر التحمع السكني في جنبا للبنية التحتية الأساسية، و المرافق الحديثة، و أنابيب مياه، وشبكة كهرباء.
(تستند هذه المقدمة إلى دراسة عن سكان الكهوف الفلسطينيين في تلال الخليل الجنوبية التي نشرها البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا) بعنوان “تجمع سكاني على حافة الهاوية”.
نشر بتاريخ 28/06/2014. في تلال الخليل الجنوبية وفي منطقة أعلنها الجيش الإسرائيلي “منطقة إطلاق النار 918” توجد فيها 15 قرية فلسطينية تواجه 8 منها حاليا خطر التهجير. جنبا واحدة من تلك القرى وفي هذا الفيلم يروي سكانها حكاية المحاولات العديدة لطردهم وتدخلات الجيش الحالية.

سكان الكهوف في منطقة إطلاق النار 918
يعيش في قرية جنبا مجموعة من المزارعين الفلسطينيين، والقرية جزء من “منطقة إطلاق النار 918” التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي للتدريبات العسكرية في الضفة الغربية المحتلة. لقد أجبر السكان على ترك بيوتهم مرة واحدة من قبل، لكنهم عادوا إليها مؤقتا – وها هي قريتهم الآن مهددة بالهدم من جديد. (مقع صوتي باللغة الإنجليزية)
التاريخ: 13/07/2013، تقرير ماريجكي بيترز، دوتشيه فيله

جنبا السحرية - مقابلات مع أ. و
أ.و أم شابة لثلاثة أطفال من قرية جنبا الواقعة ضمن “منطقة إطلاق النار 918” تصف الحياة في تلال الخليل الجنوبية. تتحدث أ.و عن علاقاتها الشخصية في جنبا وتوجه الدعوة للمستمعين لزيارة عالمها ذات الألوان والأصوات المفعمة بالحيوية، وهو عالم قد تستطيع فيه الصخور أن تروي لك حكاية عن رجل يدعا أبو علي، وفيه تورث الأمهات الحكمة لبناتهن. (2016)
النص
اسمي أ.و، ولدت في كهف في خربة بير العد عام 1988، و بعد ذلك قام الجيش الإسرائيلي بطردنا من خربة بير العد، فانتقلنا إلى جنبا، و الآن أعيش في جنبا. تزوجت قبل ثماني سنوات، و عندي ابنة واحدة في الصف الثاني و ابنان أيضا.
أريد أن أخبركم عن الحياة هنا في جنبا. السكان هنا يعيشون حياة بسيطة، و يعملون في تربية الأغنام، و يعتنون كثيرا بأغنامهم، و يأخذون أغنامهم الى الاماكن الرعوية في أراضيهم، و هكذا هي حياة الرجال.
أما بالنسبة للنساء فنحن نعمل على تنظيف حظائر الأغنام، و ترتيب بيوتنا، و نعتني بتربية أبنائنا. عندما أنتهي من عملي خاصة في فصل الربيع، أحب أن أنظر إلى الجبال والشمس، و في الربيع يكون الطقس هنا جميلا جدا، و أنا أستمتع بالنظر إلى الأرض الخضراء، وإلى الطيور .
هذا المكان لا يوجد فيه عدد كبير من الناس، ومن الصعب وصول السيارات إليه، لذا فهو مكان مميز للعيش والإسترخاء، وتستطيع العيش فيه كيف تشاء .
أود أن أخبركم عن صورة رائعة جدا في مخيلتي عندما كنت صغيرة جدا، و لم أكن قد انتقلت من بير العد للعيش في جنبا. كنت بالعادة أنظر إلى جنبا من بير العد، و كنت أشاهد الحقول الخضراء من حولي. لقد كانت صورة جميلة جدا، و لا تزال محفوظة في مخيلتي.
أنا أحب الصيف أيضا، لأن كل شيء يكون أصفر، أصفر ، أصفر ، كل شيء باللون الذهبي.
نحن نعيش في خيام بلاستيكية، لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح لنا ببناء البيوت العادية، لذلك في الشتاء نسمع صوت تساقط حبات المطر على سقف الخيام البلاستيكية، وأنا أستمتع بسماع ذلك الصوت منذ بدأت العيش في الخيام البلاستيكية. وفي الربيع أستمتع بالحقول الخضراء، وفي الصيف أستمتع بالحقول الذهبية، إنها مثل السحر، وجنبا أيضا سحرية، وكل الأراضي الفلسطينية ساحرة الجمال.
جدي وجدتي ولدوا هنا، في المكان الذي كان يعيش فيه آبائهم و أجدادهم. جميعهم و لدوا هنا وماتوا هنا أيضا. والد جدي اسمه (حسين محمود جبارين) (أبو خالد) ، وجدي اسمه (أبو علي). الكثيرون يأتون من أوروبا و الولايات المتحدة الأمريكية لرؤية جدي و مقابلته، لأنه إذا رغبت بأن تعرف شيئا عن جنبا وباقي القرى، تستطيع أن تسأله عن هذه القرى، وعندما و افته المنية حزن الكثير من الناس لفراقه لأنهم أدركوا أنه ترك فراغا كبيرا.
ذات يوم جاء رجل من أهل البادية (بدوي) يسأل عن جدي (أبو علي) ظنا منه أنه لا يزال حيا، و لم يكن يعلم بوفاته، وعندما قيل له إنه قد مات، حزن عليه ذلك الرجل، حتى أنه بكاه بكاءًا شديدا.
تستطيع أن تسأل الكثيرين عن جدي (أبو علي) فالجميع حزنوا عليه عندما توفي، لأنه كان رجلا عظيما، ولطيفا جدا. لم يكم يهتم كثيرا بشأن الاحتلال، وقال إنه يريد أن يعيش هنا، وكان له ذلك. كان يحب أغنامه، و يحب كهوفه كذلك. إذا شئت أن تعرف من هو (أبو علي)، اذهب إلى الجبال، اذهب إلى الكهوف، انظر إلى الأغنام، انظر إلى البيوت والخيام، اسأل الصخور عنه، جميعها سوف تخبرك عنه.
أهم إنسان في حياتي هي أمي، وأنا أحبها كثيرا، وهي تعني لي الكثير، لأنها هي التي علمتني أن أكون صبورة، و علمتني كيف أعيش بين الناس، ﻷنك تحتاج للتعرف على الناس، لكي تكون قادراً على أن تعيش بينهم، وفي كثير من الأحيان عندما أفقد نفسي، أنظر فقط إلى أمي.
تستند هذه الفقرات إلى مقابلة أجريت مع (أ.و) من قرية جنبا في آذار 2

عيسى يونس من قرية جنبا
عيسى يونس من خربة جنبا يحدثنا القليل حول تاريخ القرية، وعن كيفية العيش تحت الاحتلال.
التاريخ: 03/2016
النص
اسمي عيسى يونس محمد أبو عرام من خربة جنبا ومن مواليد عام 1974. يعود تاريخ جنبا لآلاف السنين حيث سكنها الرومان. أما نحن فنسكن في جنبا منذ عهد والدي، وجد، وجد جديز كانت جنبا طريقا حضاريا يربط بين فلسطين ومصر، وتوجد فيها معالم أثرية قديمة منذ زمن الرومان والعثمانييننز كانت قوافل الحجاج المتجهة من شمال فلسطين إلى السعودية يتجهون جنوبا وكانت هذه المنطقة مكانا يستريحون فيه. في عام 1948 كان لنا دكان هنا وكنا نربي الأغنام، وعندما جاءت إسرائيل هدموا جميع البيوت والدكان الذي كنا نعتبره الأكبر في يطا كلها. لقد هدموا جميع البيوت وطمسوا المعالم الأثرية، ثم نزح أهلنا إلى يطا، وبعد الاتفاق مع الأردن وتسلمها الحكم في فلسطين بقينا هنا حتى عام 1967 وفي ذلك العام عاود الأسرائيليين الهجوم على الخربة وهدموا ما بقي منها لكننا بقينا فيها.
في عام 1985 عاد اليهود وأعلنوا القرية منطقة عسكرية مغلقة بحجة التدريبات العسكرية التي يجريها الجيش. لقد رحّلوا جميع الناس وهدموا كافة المغارات التي كنا نقطنها، وهدموا الأسقف المكونة من جذوع الشجر، وطردوا السكان بالكامل بحجة أن المنطقة تستخدم للتدريبات العسكرية حيث وضعوا أهدافا وأخذوا يتدربون على الرماية. غادرنا المنطقة مدة أربع سنوات وعدنا بعدها بالقوة رغم أنف اليهود، لكنهم كانوا يأخذون أغنامنا ويرسلوها إلى منطقة فصايل في الأغوار فندفع المال من أجل استرجاعها. ومنذ ذلك الوقت حتى 1999 كان الوضع هنا أفضل حيث كان يزورنا متضامنون من مؤسسة تعاون ونشطاء السلام وكانوا يساعدونا. وكلنا محام وهو ما لم نفعله من قبل لأن الناس لم يكونوا يعرفون المحامين سابقا. وفي عام 1999 على أمر احترازي من المحكمة بملكية هذه المنطقة، وهو ساري المفعول حتى اليوم لكننا لا نستطيع أن نبني بيوتا بل نعيش في المغارات. كلما نبني بيتا من الطوب مثلا فإنهم يهدمونه، ولكن يمنع عليهم ترحيلنا كما أنه يحظر علينا بناء بيوت جديدة لنعيش كغيرنا من الناس.
استمر الوضع على هذا الحال حتى السنة الحالية، بحيث نبني البيوت فيهدمونها وهكذا. بناء بيت هنا ليس بالأمر المكلف إذا تكفي 5000 أو 6000 شيكل لبناء بيت، لكن حين يهدمون بيتك فكأنهم يهدمون جزءا من حياتك، حين يهدمون البيت وأنت تنظر إليهم كما حدث لنا فقد سلمونا إخطارا وفي صبيحة اليوم التالي هدموا البيت. كنت أتناول وجبة العشاء وقتها وأعلم أنني لن أستطيع أن أتناول وجبة الإفطار في بيتي. عندما هدموه شعرت وكأننهم هدموا جزءا من حياتي فهو بالنسبة أعز وأغلى من فندق في تل أبيب. أتوقع أن تكون الأيام القادمة صعبة علينا. الاحتلال لا يسمح لنا بالبناء، وإذا كان يرضي الاحتلال أن نظل نعيش في الكهوف فسنبقى في الكهوف، ولكن في المستقبل سوف يكمل أبنائي تعليمهم ولن يقبلوا بهذه الحياة التي أعيشها. وما أخشاه هو أن يتركوا أرضهم ويذهبوا للعيش في المدن.
ليس أمامي سوى أن أجعلهم يحبون الأغنام أو أن يسمح لنا اليهود ببناء بيوت كتلك التي في يطا أو كبيتك أنت في تل أبيب أو غيرها، وهذا يتحقق إذا أعدوا مخططا هيكليا للمنطقة وسمحوا لنا بالبناء أسوة بالقرى الأخرى في فلسطين أو في الضفة الغربية. الفرق بين عملي هنا وعملي في إسرائيل أنني أعمل هنا بكرامة في أرضي، أما في إسرائيل فإنني أمر بستين مرحلة حتى أصل مكان عملي، فعى المعابر الإسرائيلية تجد فتاة إسرائيلية تجلس في غرفة زجاجية وتضع إحدى ساقينها على الأخرى ومن خلف الزجاج تطلب منك أن تقف، وأن ترفع يديك، وان تكشف عن بطنك وما إلى ذلك، وهذا لا يترك مكانا للكرامة لذلك افضل العيش بكرامتي مع غنمي.
أشعر بالألم حين أتذكر من كانوا يسكنون تحت هذه الأسقف وأين هم الآن، وكيف ستبدو قرية القريتين لو أن أهلها لم يرحلوا عنها، كانوا سنعيشون سعداء وهذا يترك في نفسي حسرة وألم، الشيء المهم الذي نود أن يعرفه الناس عنا…وقد زارنا أناس كثيرون من بريطانيا ولهم جزيل الشكر، وقد زارتنا مؤسسات وقدمت لنا الدعم، ونحن نشكرهم لكننا نرغب بأن يسعوا إلى مساعدتنا في أن نتمكن من بناء بيوت جديدة تجعل أبناءنا يشعرون أنهم يعيشون هنا كما يعيش غيرهم من الناس. ما نريده هو الحد الأدنى من سبل العيش بأن يكون لنا بيتا جيدا بدل أن نعيش في الكهوف. كثير من الناس ووكالات الأنباء والصحافيين عندما كانوا يسمعون بأننا نعيش في الكهوف كانوا يظنون أننا قبائل اكتشفت حديثا، بمعنى أننا معزولين عن العالم وإلا فكيف نعيش في مغارات؟ لكننا آثرنا العيش في مغارات على أن نترك أرضنا، وهذا لا يعني أننا جاهلون بل نعرف كل شيء، غير أن اليهود يريدوننا أن نعيش في مغارات، وسنعيش فيها حتى لا نترك أرضنا. جنبا خرج منها الكثير من المثقفين من معلمين وأطباء وأحد رؤساء بلدية يطا كان من جنبا وظل رئيسا للبلدية 11 عاما حتى موته، كان رجل إصلاح على مستوى محافظة الخليل بأكملها وهو من مواليد جنبا.
الأيام القادمة ستكون صعبة علينا فالاحتلال لا يسمح لنا بالبناء، وإذا كان يرضي الاحتلال أن نظل نعيش في الكهوف فسنبقى في الكهوف، ولكن في المستقبل سوف يكمل أبنائي تعليمهم ولن يقبلوا بهذه الحياة التي أعيشها. وما أخشاه هو أن يتركوا أرضهم ويذهبوا للعيش في المدن. ليس أمامي سوى أن أجعلهم يحبون الأغنام أو أن يسمح لنا اليهود ببناء بيوت كتلك التي في يطا أو كبيتك أنت في تل أبيب أو غيرها، وهذا يتحقق إذا أعدوا مخططا هيكليا للمنطقة وسمحوا لنا بالبناء أسوة بالقرى الأخرى في فلسطين أو في الضفة الغربية.

ا.ب. من قرية جنبا
مقابلة مع ا.ب. من قرية جنبا (2016)
النص
ولدت في جنبا، والتي ولد فيها والدي وجدي وجميع أفراد العائلة. كان لوالدي ستة أبناء، وكان لجدي ثلاثة أبناء عاشوا هنا حتى وفاتهم، وكان لهم أبناء لا يزالون يعيشون هنا. كان لوالدي ثلاثة أبناء وثلاثة بنات ونحن نعيش هنا أنا وأشقائي، ويعيش هنا أبناء عمومتي. يوجد لدي ثلاثة أبناء وخمس بنات وجميعهم يعيشون معي هنا في جنبا. كلنا نعيش هنا منذ بداية حياتنا. نحن نعيش في جنبا منذ زمن بعيد، وهي مهمة بالنسبة لنا فهي مسقط رؤوسنا وفيها أرضنا التي عشنا فيها طويلا وعانينا فيها عذابات كبيرة عبر السنين، فالاحتلال لم تركنا وشأننا بل مارس علينا ضغوطا كبيرة بهدف إخراجنا من جنبا، لكننا صممنا على البقاء فيها لأن فيها تاريخنا وأرضنا التي ترعرعنا فيها. لن نتخلى عنها بسهولة فقد مارسوا علينا ضغوطا بهدف إخراجنا منها وتهجيرنا، كننا أصررنا على ألا نخرج منها.
جنبا موجودة منذ زمن الكنعانيين، وكانت بلدة تعيش على التجارة بين الشرق والغرب من خلال التجار المصريين الذين كانوا يمرون إلى مصر. كانت بلدة راقية وجميلة. في عهد والدي وجدي كان في البلدة قرابة ستين بيتا مثل هذه البيوت التي تشاهدونها، أو مثل بقايا هذا البيت. عندما جاء الاحتلال عام 1948 قصفت معظم تلك البيوت بالمدفعية وهدمت بهدف تهجير أصحابها منها، لكنهم تمسكوا فيها وظلوا فيها، واستمرت حتى عام 1985 حيث عاودوا مهاجمتها، وكذلك فعلوا عام 1954 فقتلوا أربعة رجال وأربعة جمال في هذه الخربة في يوم واحد عام 1954، وفي عام 1985 أحضروا آليات عسكرية ودمروا القرية بالكامل وهدموا كل ما هو قائم على الأرض.
كان أجدادنا وآباؤنا يعيشون في الكهوف، ونحن معهم ولا تزال الكهوف موجودة. هذا الاحتلال أصر على عدم وجودنا فوق الأرض ولا حتى تحت الأرض وهو يسعى إلى تهجيرنا، لكننا صممنا أن نظل فيها وتظل جذورنا ضاربة فيها وهذا ما فعلناه. حتى عام 1985، بعد أن دمروها لم يبق منها سوى القليل من المباني القديمة ورغم ذلك لم نخرج منها، بل بقينا متمركزين فيها حتى يومنا هذا. ثم عادوا الكرة عام 1999 وعام 2000 ولا يزالون يضغطون حتى اليوم، ففي الأسبوع الماضي أو قبل أسبوعين هدموا 12 مسكنا كانت تؤوي العائلات وقد أصبحت بدون مأوى بعد أن هدمت مساكنهم.
هذه أرضنا وبحمد الله لن تزحزح عنها ولن نتحرك منها وسنظل فيها مهما مارسوا من ضغوط، فإما أن نموت فيها أو نحيا فيها وهذه هي حياتنا. عاش جدي 84 عاما وكان قد ولد في أحد الكهوف الموجودة هنا أو كما نسميه مغارة أو طورا. زعندما كان في ريعان شبابه في الثامنة عشرة أو العشرين من عمره جاءه الجيش التركي في زمن العثمانيين وطلبوه للخدمة العسكرية. كان عنده جمل فأخرجه وربطه في ذلك الجبل هناك والذي هو ملك عائلتنا. ترك الجمل بين المزروعات ومضى معهم إلى الخدمة العسكرية. التحق بالجيش وبعد يومين أو ثلاثة انهزم الجيش التركي، فعاد ووجد الجمل مكانه فعاد به إلى البيت. كان يعيش مع والدته وكان يتيم الأب.
بعد جدي جاء والدي والذي عاش 92 عاما أمضاها جميعا في جنبا، وعاشوا حياة سعيدة في هذه الأرض التي كانوا يفلحونها، وحتى عام 1948 كانت كل الأرض ملكا لنا ولأهل القرية. كان في هذه المنطقة ثلاثة دكاكين هذا كان واحدا منها، وآخر هناك عند بيت الشيخ علي، وواحد مكان هذا البيت. كان لديهم دكاكين وكانوا يبيعون بضاعتهم للأعراب حيث كانت هذه المنطقة مليئة بمضارب البدو. كانت هناك دكاكين ثلاثة وكانت هذه القرية نموذجا وكانت مشهورة على مستوى المنطقة ولا تزال مشهورة حتى اليوم، ولهذا السبب يركزون على هذه المنطقة ويطمعون في الاستيلاء عليها.
أنا آمل أن نعيش حياة أفضل من حياتنا الماضية، والتي كانت جميلة لولا ما تعرضنا له من ضغوط ولولا انهم لم تركونا وشأننا. كانت حياتنا جميلة وكنا راضين بها. أما قادم الأيام فلا ندري ماذا تخبئ لنا الأقدار، وكيف سيكون المستقبل. نحن نعيش يومنا مع إصرارنا على أن نظل في أرضنا حتى الموت. لن نتراجع عن حياتنا هنا مهما جرى ولن نخضع لأية ضغوط أبدا بغض النظر عما يحدث. لقد تعنفنا في السابق وفقدنا أغنامنا وضغطوا علينا بشتى الطرق ولم يتركوا وسيلة، لكننا تمسكنا بأرضنا وسنظل نتمسك بها.
إنني أناشد العالم بأسره وأحرار العالم أن يناصروا هذا الشعب المظلوم، وأقول للذين يعيشون في الفنادق والمباني متعددة الطبقات والتي تبلغ المريخ إنه يوجد هنا أناس يعيشون في الكهوف في هذا العصر، ورغم ذلك فهذه الحكومة وهذه الدولة (إسرائيل) تستكثر عليهم العيش حتى في الكهوف، وتلاحقهم في لقمة عيشهم. لو نظرت جيدا ستجد الواحد منا يسكن مع عائلته في بيت طوله 5 أمتار وعرضه 5 أمتار ومسقوف بالزينكو ليأويه عائلته فيأتون بآلياتهم العسكرية ويهدمون البيت فيتشرد الأطفال وبعضهم يكون عمره سنة واحدة ويظلون بلا مأوى في البرد القارس. أقسم أنهم أمضوا ليلتين بدون مأوى وكان البرد شديدا وكانوا تحت البرد. أنت تعلم ماذا يعني للمرء ان يكون له بيت ثم يهدمونه، علما أنهم لا يملكون شيئا فهذه الأرض لنا ونحن نعيش فيها وهم يلاحقوننا. ماذا لو انقلبت الأمور؟ ها هم في المستوطنات وغيرها يقيمون المباني في أرض هي ليست ملكهم، بل هي لنا وفيها جذورنا وتاريخنا وهم يلاحقوننا فيها، والأرض ليست ملكهم ورغم ذلك يبنون المستوطنات ويعيشون فيها وفي كل يوم يضيفون مبان جديدة. يأتوننا بحجج واهية فيقولون هذا البيت أقيم بدون ترخيص، وهذا مخالف للقانون، أليست المستوطنات التي يقيمونها مخالفة للقانون؟ هل لديهم ترخيص أم أنهم يمنحون أنفسهم ذلك الترخيص لأخذ الأرض بالقوة من أصحابها وبناء المستوطنات فيها؟ هل هذا قانوني وذاك غير قانوني؟ نسأل الله أن يبدلنا حالا أفضل من هذا الحال، وأن يصلح أمورنا ونصبح بحال أفضل لأن هذا الوضع أدى إلى الممل واليأس حتى لدى الأطفال، والحمد لله رب العالمين فماذا عسانا نقول؟

علي محمد محمود الجبارين
مقابلة مع علي محمد محمود جبارين من قرية جنبا. (2016)
النص
بسم الله الرحمن الرحيم
أنا علي محمد محمود الجبارين من قرية جنبا، ولدت عام 1962 في جنبا ولم يكن الاحتلال الإسرائيلي موجوداً آنذاك.
عندما ولدت وفتحت عيوني شاهدت أمامي الأردن ولم يكن هناك إسرائيل. جائت الأردن عام 1967 وكنت وقتها طالباً في المدرسة، وعندما احتلت إسرائيل مناطق عام 1967 من الأردن كنت أستطيع المشي وشاهدت الجيش الإسرائيلي حيث كنت طالباً في المدرسة، ولم تكن دولة إسرائيل موجودة أساسا عندما ولدت عام 1962 بل كانت هناك الأردن، وفي عام 1967 جائت إسرائيل وكنت طالباً في المدرسة وأذكر أنني كنت في الصف الأول والله أعلم أي عندما جاءت إسرائيل كنت طالباً في المدرسة في الصف الأول.
في السنة الأولى كان اسم الأردن مكتوبا على الكتب المدرسية وكنت أدرس عن زمن الأردن، وعن الأردن، وفجأة جاءت إسرائيل حيث كانت الكتب المدرسية باللغة العربية ويكتبون عليها إسرائيل.
ولد أبي في هذه الأرض في مسافر يطا وتحديداً في خربة جنبا، وكان يعيش في جنبا ومناطق بئر العد حيث ولد عام 1940 وعاش حياته كلها في مسافر يطا التي كان يعشقها.
مسافر يطا منطقة واسعة جداً تبدأ من جبل رأس بئر العد ومرج ابن معيّد، وتمتد حتى تل عراد ومنطقة كسيفة ومدينة عراد التي أقيم فيها مستوطنة جديدة في الستينات، وتمتد الأراضي حتى البحر الميت ولها مسميات كثيرة من خرب وقرى متعددة تابعة لمسافر يطا.
في بداية الأربعينيات أو الخمسينيات جاء الإسرائيليون إلى هذه المنطقة واستولوا على جزء كبير منها وعلى الكثير من أراضينا في مسافر يطا حيث استولوا على قرية كبيرة ومهمة اسمها القريتين وهدموها، واستولوا كذلك على بيوض ودريجات التي تتبع ليطا أيضاً وكان يسكنها عدد من العائلات أذكر منهم عائلة أبو زهرة، وأخرجوهم منها إلى مناطق تقع في حدود الضفة الغربية في مدينة يطا.
أرض عائلة أبو زهرة موجودة في دريجات كما توجد أراض لجميع أهالي يطا في مناطق دريجات وتل عراد، وهي أراض واسعة جداً وهذه الأرض التي أمامك هي منطقة بيوض والقريتين وهناك خلف الجبل تقع تل عراد ودريجات أيضاً، والقريتين قريبة من هنا وتحديداً إلى اليمين من خلفي، كما يوجد رجم المعيّد من خلفي أيضا،ً والمناطق الواقعة هناك تسمى بيوض ورويشدة، وهناك أيضا منطقة الطيّب ومناطق تسمى وادي الخليل ووادي الحوّر والحميرويّة والخضيرة وأم الجريش وخلة محمد والمغرقة وابن بسمة والجرف وأم الحيطان وكذلك اللحَجة وأم الجريش وأدرعيّة والقرضية وتل أصفر ومزرع الزير وأم ركبة وجورة السدرة وانخيبية ووادي الحكر وشعاب النواجعة وشعاب الفقير والطبقات، وهي سميت بالطبقات لأنها واسعة جداً وتتألف من آلاف الدونمات وفيها أودية كثيرة، وهي أراض كانت مناسبة للفلاحة حيث كان يزرع فيها الكثير من القمح، وهناك أيضاً أم هاشم وزابوط زريق والدَحيّة وأم رَتّام وأم صٌوّانة والمجاز والفخيت والتّبان والحلاوة والمركز، وكذلك الصفَيّ التحتة والفوقة والثعلة وكذلك أم خروبة والمفقرة والتواني وشعب البطم وقواويس.
كل هذه المناطق مترابطة مع بعضها البعض وتقع جنوب شرق يطا وتسمى بالمسافر، وهذه الأرض لا تزيد عن 140 أو 150 ألف دونم منها 40 ألف دونم في مناطق 1967، وقرابة 100 ألف دونم استولت عليها إسرائيل وتمتد المناطق التي استولت عليها من مدينة عراد حتى حدود عام 1967 أي ما يقارب 10 إلى 11 كيلو مترا، كما تمتد المنطقة الواقعة من البحر الميت حتى حدود القريتين حوالي 35 إلى 40 كيلو مترا، وهي أراض واسعة جداً تبلغ مساحتها حوالي 100 إلى 110 آلاف دونم بقي منها 40 ألف دونم في أيدي المزارعين الفلسطينيين في الخرب التي ذكرتها وهي جنبا وبئر العدّ والمركز والحلاوة والفخيت والتبان والمجاز وصفي التحتة وصفي الفوقة والمفقرة وبقية الخرب التي ذكرتها حيث تبقّى لهم 40 ألف دونم، بمعنى أن ثلثي الأرض أو أكثر صودرت ولم يبق إلا الربع تقريباً، ولا تزال إسرائيل تلاحق هذه المنطقة وتريد إخراج أهلها أو أصحابها منها، وتتعرض جميع القرى والخرب الموجودة في مسافر يطا إلى مضايقات من الجيش والمستوطنين بهدف ترحيلهم من هذه الأرض، وطردهم إلى يطا أو إلى مدن أخرى ويطالب هذا الجيش والمستوطنون والمسؤولون بترحيل هؤلاء الناس.
لو عرضواعلي أن أنتقل إلى أجمل منطقة حتى لو كانت في فلسطين التي أحبها والغالية على قلبي أو حتى إلى تل أبيب فسوف أختار مسافر يطا، وأختار جنبا وهذه المناطق التي عشت فيها وهي مناطق بيوض والقريتين وتل أصفر والطيب وطبقة وأم رتام ومناطق وادي سيال، وهي الأجمل في نظري بحيث إذا دخلتها وكنت مريضاً فسوف أشفى، لأنها منطقة جيدة وأحبها جداً، وخصوصاً في فصل الربيع إذ تكون مسافر يطا الأجمل التي تمتمد من هنا حتى عراد والبقيعة التي هي من أراضي مسافر يطا، ولا يزال سكانها يعيشون فيها لكنهم يحملون الهوية الإسرائيلية.
أهل البقيعة هم في الأساس من مسافر يطا، وكذلك عرب الكعابنة في مناطقهم ومنها البوقة وغيرها، التي لا أعرف أسمائها رغم أنني تجولت فيها فهي أيضا تتبع لمسافر يطا، أي أن بدو الكعابنة أصولهم من يطا وهم يسكنون أم الخير وخشم الدرجة، بمعنى أن سكان يطا الأصليين هم من البدو والقبائل البدوية التي سكنتها قبل 200 أو 150 عاماً ثم انتقلوا إلى الأرياف وسكنوا في يطا بعد أن عاشوا في تلك المناطق، ومنهم الكعابنة وبدو الجهالين الذين يملكون الكثير من أراضي المسافر في وادي سيّال وفي أم ركبة وأم قيبرات وغيرها من المناطق التي تعود ملكيتها لبدو الجهالين، وهناك أيضا بدو الكعابنة وبدو الصرايعة وبدو الرشايدة إلى الغرب من بني نعيم أو بجوار بني نعيم.
خلاصة القول هذه الأراضي الممتدة من هنا إلى بني نعيم هي مسافر يطا ويعيش فيها هؤلاء الناس وهم قبائل بدوية ولا ننسى أن أهالي يطا كانوا سابقا قبائل بدوية تسكن الخيام.
يريدون الآن أن يعطوهم أموالاً وما يشاؤون، لكن الجميع والحمد لله يرفضون ذلك ويصرون على البقاء في أرضهم، ولا يريد أي شخص أن يغادر أرضه. هذه الأرض التي أقف فيها الآن هي أرضي ولن يخرج أحد منا من أرضه، فهدم البيوت ليس بالأمر الجديد فقد هدموا بيوتنا في الثمانينيات، وهذه المنطقة تعرضت في الحروب السابقة عام 1966 للدمار حيث دمرت هذه الخرب وأعاد أهلها بناءها وعادوا إليها، وفي الثمانينيات استمر التخريب وطرد جميع الناس من هذه المنطقة، ومنذ الثمانينيات وحتى عام 2000 أو 1999 كانت هذه المنطقة تتعرض لمضايقات كثيرة جداً لترحيل هؤلاء الناس، لكنهم ظلوا ثابتين في أرضهم ولم يخرجوا منها حتى اليوم، ومنذ الثاني من شباط هدموا ما يقارب 22 منزلا في جنبا والحلاوة والفخيت والتبان، وسلموا إخطارات جديدة في المركز والفخيت والمجاز وغيرها من الخرب.
بالنسبة لهذه المنطقة لو عدنا لأيام آبائنا وأجدادنا فإن أرضنا تمتد إلى مناطق عراد وكسيفة والبحر الميت، فأبي عاش في هذه الأرض مع أغنامه منذ عام 1940 وحتى وفاته العام الماضي وتحديدا في 18 كانون الأول، رحمه الله لقد أمضى عمره أي 75 عاما ولم يتركها أبدا، ومن قبله جدي ونحن متواجدون فيما تبقى لدينا من هذه الأرض فقد أوصانا والدي أن نثبت في أرضنا، ونعيش كما عاش هو، ونموت فيها مثله تماما، وكان أبي قد تعرض لما هو أقسى مما نتعرض له اليوم، فقد أخذوا أغنامه أكثر من خمس مرات ووضعوها مرة في أريحا وأربع مرات أخرى في بئر السبع، واستعاد الأغنام بكفالة مالية وكانت المرة الأخيرة عام 2003 وتحديداً في 23 آذار، حيث صادروا 252 رأسا من أغنام والدي وذبحوها في مستوطنة “رحوفوت” التي يوجد فيها مسالخ إسرائيلية حكومية، ولكن وبحمد الله أحضرنا أغناما جديدة وعادت كما هي ونحن باقون في مكاننا، وكان أبي يقول “إذا سلم العظم فاللحم سيعود”، بمعنى أن كل شيء يمكن أن يعود كما كان، والصبر على الضيق سنة أو سنتين يأتي بعده الفرج، ونحن صامدون في أرضنا فكل هذه الأرض التي تشاهدها حولك هي ملك لنا ولأقربائنا من سكان جنبا والمركز، وبعدها الحلاوة أي أن كل منطقة أو خربة تحتفظ بأرضها الخاصة، وجميعهم والحمد لله يربون الأغنام ويعيشون سعيدين ونحن نطالب العالم ونقول لليهود أنفسهم إن التجارب السابقة للإسرائيليين من هدم ومصادرة أراضي وأغنام وهدم للبيوت وتشريد للناس منذ عام 1967 حتى اليوم لم تأت بأي جديد وستذهب كل أعمالهم هباءً وبدون فائدة لأن الناس عاشوا في هذه الأرض، وخلقوا فيها ولن يخرجوا منها، وسيظلون فيها إن شاء الله.
نطالب العالم أن يقف إلى جانبنا لمنع الهدم في هذه المناطق، ومنع الإسرائيليين من الإقتراب من أرضنا. نحن أناس نطالب بالعيش في أرضنا دون مضايقات من الجيش والمستوطنين الذين أتوا إلى هذه المنطقة بعد الثمانينيات، فقد بدأت أعمال التجريف لبناء أول مستوطنة عام 1983 وهي مستوطنة “لاسيفر” و”سوسيا” وتبعها بعد ذلك مستوطنات أخرى في التسعينيات وما بعدها حتى عام 2000 تقريبا، ولم يقتصر الأمر على المستوطنات بل أقاموا مزارعا. وهاهم المستوطنون يبنون ولا أحد يهدم أبنيتهم إذ يبنون المستوطنات والبيوت والبركسات وفي بعض المناطق تكون بعض البركسات فارغة. لم يسبق للمستوطنين أن تلقوا أي إنذار. لماذا يهدم بيتي وأنا مزروع في هذه الأرض منذ مئات السنين بينما المستوطن الذي يأتي اليوم لا يهدم بيته؟
هم يعيشون في أمان وتوفر لهم الكهرباء والماء أما أنا فإذا حفرت بئرا جديدا يهدمونه، وإذا أقمنا شبكة كهرباء جديدة فإنهم يهدمونها ويصادرونها، بينما تتوفر الكهرباء والماء للمستوطن، وكذلك الطرق المعبدة، أما نحن فنستخدم طرقا ترابية. السفر من يطا إلى هنا يستغرق 40 دقيقة لكنهم على طرق المستوطنات الإلتفافية يقطعون مسافة 30 كيلو مترا من عصيون إلى هنا في 40 دقيقة، أما أنا فأقطع مسافة 12 كيلو متر في 40 دقيقة وهي المدة ذاتها التي يستطيع المستوطن أن يقطع فيها 40 إلى 50 كيلو مترا.
أنا أجيد حراثة الأرض أكثر منهم فالأجيال الجديدة تحب أن تبذر الحبوب بأقصى سرعة، ولا تجيد حراثة الأرض أما نحن فلا نكترث للسرعة، ونقضي ما يلزم من أيام في حراثة الأرض حتى لو استغرق ذلك اسبوعين أو ثلاثة.
ها هي الأعشاب الضارة كالخردل وغيره تملأ الأرض لأن الشباب هم الذين حرثوها، وهذه الأعشاب والأشواك لم تكن تظهر أيام المرحوم والدي ومن سبقوه. المزروعات اليوم مليئة بالأعشاب الضارة كالصفيرة والخردل والزهرة التي تراها أمامك وهذا نتيجة لقلة الاهتمام بالأرض.
كان أجدادنا يقولون إن الأرض تنتج محصولين حيث كانت تزرع سنة بالذرة، وسنة تزرع البقوليات، وسنة يزرع الشعير وأخرى يزرع القمح، أما اليوم فتجدنا نزرع الشعير لعشرة أو خمس عشرة سنة متواصلة، لذلك مهما كانت كميات الأمطار كبيرة يظل المحصول ضعيفا، وكانوا سابقا يستخدمون الأسمدة ونحن نستخدمها فذلك الزرع هناك يبدو أطول من غيره نتيجة الأسمدة التي هي من روث الأغنام، ويظهر مفعولها جلياً بينما المزروعات التي لم تزود بالأسمدة ظلت ضعيفة. كانت الأجيال السابقة تخدم الأرض أكثر من هذه الأيام فمن سبقونا خدموا الارض أفضل من جيلنا، ونحن نخدم أفضل من الجيل القادم وهذا هو الحال، بمعنى أن الأجيال الجديدة لا ترغب بخدمة الأرض كما ينبغي ويريدون أن ينجزوا كل العمل في يوم واحد دون أن يبذلوا جهداً، أما نحن فنعمل بأيدينا ونعمل كذلك في إسرائيل في مجال البناء دون كلل أو ملل، وتنهك أيدينا نتيجة حمل قضبان الحديد والباطون.
أما الأشخاص الذين لا يعملون بأيديهم كما هو حالك بالطبع ستكون أيديهم بيضاء، ولو أنني توقفت عن العمل لشهر واحد لأصبحت يدي بيضاء ناعمة، لكنني أعمل في الحديد والباطون أي الإسمنت الذي يؤذي اليدين وكذلك صدأ الحديد الذي يتغلغل إلي البصمات فيلتصق في الجلد ويعطيه هذا اللون الداكن، وهذه هي الحياة وهذا هو الشغل حيث أعمل في إسرائيل وعند العرب وفي أرضي، ولا أتوقف عن العمل ومعظم هؤلاء الناس يعملون في إسرائيل وفي كل مكان في مجال البناء وغيره، وكثير منهم حرفيون في مجال البناء لذلك تجد أيديهم على هذا الحال، أما الذين لايعملون فكما قلت تظل أيديهم ناعمة بعكس أيدينا التي تصبح خشنة بسبب العمل.
عندما أموت لا بد لأبنائي من العمل وهم حاليا يساعدوني في رعي الأغنام وفي جني المحاصيل الزراعية، لكنهم ليسو ككبار السن، وبعضهم يدرسون وأتمنى من الله لهؤلاء الصغار أن يحصلوا على تعليم أفضل من الزراعة. بالنسبة للحراثة والزراعة كان أهلنا مزارعون، فأبي كان رحمه الله مزارعا يحرث أرضا كثيرة ويزرع أرضا كثيرة، وكان يربي الأغنام وأنا تعلمت منه بالفطرة أن أعمل بالزراعة وتربية الأغنام، أما بالنسبة للعمل في إسرائيل فأبي لم يعمل في إسرائيل. عندما كنت في السادسة عشر أو السابعة عشر كان جميع الناس من هنا يشتغلون داخل الخط الأخضر في حولون وتل أبيب واللد والرملة والقدس، فدخلت مثلهم واشتغلت وتعلمت أعمال البناء بأشكالها بالتالي فنحن تعلمنا البناء داخل إسرائيل في المناطق التي ذكرتها، أما الزراعة فهي مهنة قديمة تعلمناها من آبائنا وأجدادنا الذيم كانوا يفلحون الارض ويزرعونها ويربون الأغنام ومثلهم فعل آباؤنا ونحن كذلك، فالزراعة هي طبيعتنا وفطرتنا منذ البداية حيث وجدنا آبائنا على هذا الحال وهذه هي كل الحكاية، وهي حكاية مؤلمة جداً بالنسبة لنا في مسافر يطا، وللأسف في الثمانينيات لم تكن هناك وسائل إعلام ولا قنوات تلفزيونية ولا إذاعية لتتحدث عنا، أما اليوم فهناك وسائل إعلام وقنوات تلفزيونية وإنترنت وأشياء كثيرة تساعدنا لم تكن موجودة من قبل.
الأجيال السابقة كانوا أفضل منا وأفصح منا لسانا فأبي رحمه الله كان يجيد الحديث وكان يعرف أشياء كثيرة لا أعرفها أنا، وكذلك كان جدي وأعمامي وجميع الناس من أبناء المنطقة والخرب الموجودة الممتدة من القريتين حتى عرب الكعابنة، فكل مسن في هذه المناطق يستطيع أن يحدثك ويخبرك الحكايات التي تريدها عن حياته في هذه البلاد والحمد لله على كل حال.

ثلاث قصص قصيرة من تأليف إريلا دونايفسكي مستوحاه من مجموعة القرى: “شكرا عزيزتي جنبا”، “البامبي والماعز”، “الدرس السادس”.

دراسة حول سكان الكهوف الفلسطينيين في تلال الخليل الجنوبية من إعداد “أوتشا” والبنك الدولي.

يلقي المقال نظرة على الظروف البيئية والاجتماعية في القرى المعروفة باسم مسافر يطا في محافظة الخليل. يواجه الزوار الذين يؤمون المنطقة لتغطية أخبار الصراع بالأرض القاحلة والفقر المدقع الذي يعاني منه السكان. عادة ما توصف المنطقة على أنها نائية وأنها تنتمي لزمان غير زماننا.