7 يناير، 2017، عسيئيل، التوانة، سوسيا، أم الخير
من الألم يخلق الجمال وكلما زاد الألم زاد الجمال. مقال مصور من قبل مارغريت أولين وديفيد شولمان. يوم في تلال الخليل الجنوبية.
١.

عسيئيل، التي قد تكون الأبشع بين البؤر الاستيطانية غير القانونية في جنوب الضفة الغربية، حيث المنافسة الشرسة، آخذة بالتوسع بوتيرة سريعة. الجرافات الصفراء التي تقف عند السياج المحيط بالمستوطنة قامت بتجريف الأراضي محدثة شقوقا متداخلة متشابكة على مساحة شاسعة من التلة والوادي المحاذيتان. هذا الجرح الواسع العميق في التربة تم شقه في أراض خاصة تعود ملكيتها للفلسطينيين وهذه حقيقة واضحة لا تحتاج إلى إثبات. إننا نعرف تلك العائلات، وسبق لنا أن حرثنا هذه الأرض المتاخمة للبؤرة الاستيطانية هنا، وطالما دارت مواجهات سيئة بيننا وبين مستوطني عسئيل الذين يمكن مشاهدتهم يوم السبت هذا ينزهون كلابهم فوق التلة، أو يصلون لإلههم الذي تعلموا منه الجشع، أو يلاعبون أطفالهم على الأراجيح في الحديقة الملونة أسفل بيوتهم الجاهزة.

صبيحة يوم شتوي مشمس شديد البرودة، يصور غاي ما تم تجريفه من الأرض شبرا شبرا. العائلات التي تملك الأرض سوف تتقدم بشكوى للشرطة، مع علمهم أن ذلك لن يجدي نفعا. الإدارة المدنية كانت قد أوقفت عمل الجرافات في وقت سابق هذا الأسبوع ، ولكن بقاء الجرافات هنا لا يبشر بالخير، فكل واحدة منها تكلفهم بضع آلاف من الشواقل يوميا ومع ذلك لم تبرح مكانها. في واقع الأمر لا شيء يبشر بالخير هنا في عسيئيل في هذا اليوم المشمس.

ظهر الجنود وكأن بيننا وبينهم موعدا. ثلاثة منهم نزلوا التلة وصولا إلينا، ليضعوا حدا لتطفلنا، وكانوا يرتدون الزي الشتوي بلون أسود في الجزء العلوي، وأقنعة لتقيهم البرد، وهم مدججون بالسلاح. طلب الضابط المسؤول بطاقة هويتي بدماثة، فناولته إياها وأخذ يتفحصها ثم بادرني بالقول: ” أنت تسكن بالقرب من بيت جدتي، فماذا تفعل هنا؟ ولماذا تصورني؟ أنت في عمر جدي، ألا تخجل؟”
فأجبته: “وما الذي يدعوني للخجل؟” فقال: “لا يروق لي أن تصورني، فهذا تصرف غير مهذب.”
أستطيع أن أتنبأ أن الأمور لن تنزلق إلى أكثر من ثرثرة لا ينجم عنها ضرر، فأغلقت الكاميرا فيما استمرت بيغ في التصوير متجاهلة أوامر الضابط الذي طالبها مرارا بالتوقف. يبدو أن موضوع التصوير هو كل ما لدينا لنتحدث عنه اليوم. ما انفك يخبرنا مرة تلو الأخرى بأن تصرفاتنا غير لطيفة.

اتصل الضابط بمن هم أعلى منه رتبة ليستشيرهم. “يتواجد هنا أربعة مواطنين إسرائيليين”، هكذا قال. ثم تابع يقول ” لديهم الحق بالمجيء هنا، و تصوير الجرافات، وأعمال الحفر، وهم لم يقتحموا المستوطنة، ويرفضون التوقف عن التقاط صور لي.” في هذه الأثناء أصبح موضوع التصوير يشكل هاجسا لديه، وأنا سئمت منه، ناهيك عن التنافر المعرفي الذي صار يؤذيني فقلت له وقد نال الملل مني :”اسمع! انسى موضوع الكاميرات التافه، وها قد توقفت عن تصويرك، كل ما أطلبه منك هو أن تنظر حولك إلى ما يجري هنا. أنت تعلم مثلي تماما أن هذه البؤرة الاستيطانية غير قانونية، وباستطاعتك أن ترى أنهم الآن يسرقون مزيدا من أراضي الفلسطينيين.”
“هذا ليس شأني مطلقا، وإن كانت لديك مشكلة مع المستوطنين، بإمكانك حلها عبر المحاكم، أما أنا فأؤدي عملي ليس إلاّ.”

عندما فكرت بالأمر لاحقا وجدت أن المحادثة كانت ضربا من الجنون، وشعرت بالندم على الخوض فيها. ما يجري هنا وفي كل مكان في المناطق المحتلة هو جريمة كبرى، وهي آخذة بالتسارع، والجنود متواطئون فيها، مع العلم أن الأوامر تصلهم من جهات أعلى منهم بكثير، بدءا بمكتب رئيس الوزراء ونزولا إلى من هم أدنى رتبة. ومع هذا كله نجد ضابطا في الميدان يرى أننا نسيء الأدب.

٢.

كرة الطائرة في سوسيا 7 يناير/2017
حدث في الأسبوع الماضي شيء فريد من نوعه في سوسيا. مجموعة من المستوطنين المتعصبين أعدوا نقشا مصنوعا من الحجارة لما نسميه “تلة العلم” – وهي بالطبع أرض فلسطينية (حرثها أصحابها مؤخرا).
رتبت الحجارة على شكل كلمة “انتقام” باللغة العبرية وعلى شكل نجمة داود بحجم كبير. عثر زملاؤنا على تلك الحجارة بالصدفة، ثم جاء الجنود، وهاجمهم المستوطنون أيضا. كان الأمر مبالغ فيه حتى في نظر الجنود الذين تعاركوا مع المستوطنين وطرحوهم أرضا، واعتقلوا ثلاثة منهم. لقد أطلقوا سراحهم في المساء، ولكن الطاولة قلبت رغم أن ذلك لم يدم طويلا.

٣.

هذه الأيام تدور مواجهات عنيفة في جنوب الخليل وفي الأغوار كذلك. وصلنا التوانة حوالي الساعة الثانية فوجدنا مجموعة من أعضاء مؤسسة “تعايش” في حالة ذهول وصدمة بعد تعرضهم لاعتداء على يد مستوطنين ملثمين من مستوطنة خافات ماعون. تواجد المتطوعون من مؤسسة “تعايش” هناك لتوفير الحماية للمزارعين الفلسطينيين الذين جاؤوا لحراثة أرضهم. وبالفعل انتهى المزارعون من حراثة أرضهم وعندما كان المتطوعون في طريق عودتهم إلى التوانه هاجمهم 15 من المستوطنين قطاع الطرق يقذفونهم بالحجارة تارة وتارة أخرى يوجهون لهم اللكمات. دودي أصيب بحجر في الرأس، وداني تعرض للضرب، كما تعرضت للضرب متطوعة إيطالية ممن يقيمون في التوانه وسرقت منها كاميرا ثمينة. وحده الحظ هو ما حال دون وقوع إصابات خطيرة أو حتى أسوأ من ذلك في صفوف المتطوعين.

اتصل غاي بالشرطة، التي استجابت في نهاية المطاف. صعدنا إلى المكان الذي وقع فيه الاعتداء، وكان المستوطنون يتراكضون بين الأشجار عند نهاية الممر. كانت لدينا مقاطع فيديو جيدة، لكن سرعان ما أصبح جليا أنه لا جدوى من تقديم شكوى. الشرطة لن تفعل شيئا فقد كان المستوطنون ملثمون، وتعبئة النماذج لدى الشرطة لا تتجاوز مجرد إجراء روتيني. صرفنا النظر عن الموضوع. منذ 15 عاما، وحتى هذا اليوم وأنا أتعرض للاعتداء، والضرب، والرشق بالحجارة، وإطلاق النار من قبل مستوطني خافات ماعون. أعلم كيف يكون الشعور، وأعلم يقينا أنهم الآن يحتفلون بالغارة التي شنوها ويلهون ويمرحون بما أنجزوه. ربما لا ينبغي أن أكترث.
٤.

نتظر عيد ليرحب بنا في أم الخير. لقد أصبح مشهوراً بمعارضه التي يعرض فيها التماثيل والمجسمات في تل آبيب وكان آخرها في برلين. منذ شهور عديدة لم ألتقي به وأحضنه. نستذكر اللحظات الكئيبة إبان هدم المنازل في الشهور القليلة الماضية. بصورة مؤقتة – ودائما بصورة مؤقتة فقط – جمدت المحاكم مزيدا من أوامر الهدم في أم الخير. يقول عيد: “مهما عملنا لن يسمح لنا الإسرائيليون بالعيش هنا، عاجلا أم آجلا سوف يستولون على هذه الأرلضي كذلك.”

معرض حول ما بعد إعادة التوطين إعداد آي ويوي وعيد الهذالين ،يحوي على صور مجسمات. الصورة من منتدى أديس الهندسية في برلين .
مستوطنة كرمل تتاخم أكواخ و خيام أم الخير، وقد ابتكر المستوطنون مؤخرا طريقة جديدة لتعذيب جيرانهم. أصبحت الآن مياه الصرف الصحي من بيوتهم تتدفق في أنابيب تفرغ محتوياتها في الحقول الخصبة في الوادي، وفي حقول الرعي الفلسطينية. شققنا طريقنا عبر الصخور كي نتفحص الأنبوب ذو الفتحة الكبيرة.

إنها أمسية من أمسيات فصل الشتاء البلورية. كل واحدة من تلك الأشواك تظهر شامخة فوق التلة، وقطيع من الأغنام يتجمع حول البئر على التلة المجاورة، وبقايا عمليات الهدم الأربع الأخيرة مكدسة بدقة قرب ما كان في السابق خياما ومساكن. لقد أعدنا بناء القليل منها مرات لا تعد ولا تحصى. التلال على الضفة الأخرى لنهر الأردن أصبح لونها بنفسجي شفاف. الجو بارد، وإحدى الفتيات، ربما في الرابعة من عمرها تربط شعرها على هيئة ذيل الفرس وترتدي سترة زرقاء تقف حافية القدمين امام مدخل منزلها. الماعز تطلق ثغاءها فالوقت شارف على الغروب وقد نال منها الجوع. يصل الشاي، ثم يحلق سرب من الحمام البري فوق المنحدر الذي خيم عليه اللون الأصفر قبيل الغروب. “من الألم يخلق الجمال وكلما زاد الألم زاد الجمال.”

Text © 2017 David Shulman; photographs @ 2017 Margaret Olin except as otherwise noted
