إسرائيل! لا تجرفي قريتي
الكاتب: ناصر نواجعة
23 تموز، 2015 – صحيفة نيويورك تايمز
سوسيا، الضفة الغربية – عندما حاصرت القوات الإسرائيلية قريته المعروفة بالقريتين، حمل جدي والدي بين ذراعيه وتوجه به إلى سوسيا التي تبعد خمسة أميال إلى الشمال في منطقة تلال الخليل الجنوبية.
“سنعود إلى بيتنا قريبا،ط هذا ما قاله جدي لوالدي آنذاك.
لم يعودوا. لقد دُمرت قرية القرتين ودمرت كذلك قرابة 400 قرية فلسطينية أخرى ما بين عام 1948 و أواسط الخمسينيات. أعادت عائلتي بناء حياتها في سوسيا في الجانب الآخر من خط الهدنة الذي أقر عام 1949 في الضفة الغربية.

في عام 1986 طُردت عائلتي من بيتنا مرة أخرى – لم يكن ذلك بسبب الحرب بل لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلية قررت أن تقيم موقعا أثريا وسياحيا حول بقايا كنيس يهودي قديم في سوسيا. (كان بجانب المعبد المهجور بناية كانت تستخدم مسجدا منذ حوالي القرن العاشر). هذه المرة والدي هو الذي حملني بين ذراعيه عندما اقترب الجنود من القرية.

“سنعود قريبا،” هذا ما قاله والدي.
لكننا لم نعد. ودون أن نحصل على تعويض اضطررنا إلى إعادة بناء سوسيا في مكان قريب على ما تبقى من أراضينا الزراعية.
ولو حدث أن نفذت الحكومة الإسرائيلية أوامر الهدم التي طالت 340 من سكان سوسيا، فسوف أضطر إلى حمل أطفالي بين ذراعي عندما يهدم منزلنا وتسوى القرية بالأرض مرة أخرى. ولست أدري إن كنت سأتحلى بالشجاعة لأقول لهم إننا سنعود إلى البيت قريبا، فقد علمني التاريخ أن عودتنا قد تستغرق طويلا جدا.
في عام 2012، أصدر الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية أوامر هدم طالت أكثر من 50 منشأة في سوسيا منها ما يستخدم للسكن، ومنها عيادة طبية، ومتجر وخلايا شمسية. وكانت الذريعة أن قريتنا بنيت بدون تراخيص من السلطات العسكرية الإسرائيلية.
سوسيا الجديدة كانت قد أقيمت أراض زراعية خاصة يملكها أهل القرية، لكن ذلك لم يوفر لهم الحماية، إذا أنه من الناحية العملية من شبه المستحيل على فلسطيني يسكن فيما يعرف منطقة “ج” – التي تشكل 60% من الضفة الغربية وتخضع للسيطرة الإسرائيلية أمنيا، ومدنيا، وعسكريا – أن يحصل على ترخيص للبناء. وحسب منظمة “بمكوم” وهي منظمة إسرائيلية غير ربحية تركز في عملها على الحق في التخطيط، فإن 98% من الطلبات التي تقدم بها الفلسطينيون للحصول على ترخيص للبناء في مناطق “ج” ما بين 2010 و2014 قد رفضت.
قرية سوسيا الفلسطينية المطلة على المستوطنة اليهودية التي تحمل اسم القرية ذاته
قرية سوسيا الفلسطينية المطلة على المستوطنة اليهودية التي تحمل اسم القرية ذاته
أصبح الخطر الآن محدقا. بعد توزيع إخطارات الهدم الأولية انطلقت حملة سياسية يقودها سكان سوسيا بمساندة من نشطاء فلسطينيين، وإسرائيليين، ودوليين، ومؤسسات حقوقية. لم تهدم القرية، وقد أحيلت قضيتنا إلى المحكمة وخفت حدة التوتر.
غير أنه في شهر أيار المنصرم وبعد بضعة أشهر من إعادة انتخاب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو ، رضخ قاضي محكمة العدل العليا الإسرائيلية، والذي يسكن في مستوطنة إسرائيلية تعتبر غير قانونية حسب القانون الدولي، للضغوطات التي مارسها اليمين الإسرائيلي والمنظمات الاستيطانية، وحكم من خلال المحكمة العليا بأن بإمكان الجيش أن يمضي قدما في عمليات الهدم في القرية – رغم أن محكمة العدل العليا والتي تفوق مكانتها وسلطتها المحكة العليا كانت قد حددت جلسة استماع حول القضية بتاريخ الثالث من آب.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري علمت من المحامين الذين يترافعون ضد عملية الهدم في سوسيا أن ممثلين عن الجيش الإسرائيلي قد أفصحوا عن نواياهم هدم أجزاء من قريتنا قبل جلسة الثالث من آب. ومنذ القرار الذي صدر في أيار، ونحن في سوسيا نشعر بالامتنان والشكر على الدعم والتضامن منقطع النظير. في الأسبوع الماضي أدلى الناطق بلسان الخارجية الأمريكية جون كيربي بتصريح شديد اللهجة حول القضية.
“إننا نتابع عن كثب آخر التطورات في قرية سوسيا في الضفة الغربية،” على حد قوله، مضيفا “وإننا نحث السلطات الإسرائيلية بشدة على الامتناع عن القيام بأية عمليات هدم في القرية. هدم هذه القرية الفلسطينية أو جزء منها، وطرد الفلسطينيين من بيوتهم سيكون عملا مسيئا واستفزازيا.”
كانت تلك خطوة في الاتجاه الصحيح، لكننا بحاجة إلى أكثر من مجرد التصريحات. وإذا أقدمت الحكومة الإسرائيلية على هدم أجزاء من سوسيا مرة أخرى، فسيكون ذلك عملا لا مبرر له سوى أننا فلسطينيون رفضنا مغادرة أراضينا رغم الضغط الهائل، ورغم الصعوبات التي نواجهها في حياتنا اليومية تحت الاحتلال.
حال ما يجري في سوسيا هو حال العديد من المناطق الواعة ضمن منطق “ج” في الضفة الغربية. عدة قرى مجاورة لقريتنا تواجه أوامر هدم قيد التنفيذ، وفي حال تم هدم سوسيا وطرد سكانها فسوف تكون سابقة يليها مزيد من عمليات الهدم وطرد السكان في أنحاء متفرقة من مناطق تلال الخليل الجنوبية والمناطق المصنة “ج” في الضفة الغربية. يجب عدم السماح بحدوث هذا.
ليست الحكاية حكاية يهود ضد مسلمين، ولا حكاية إسرائيليين ضد فلسطينيين. وإننا ندين بالامتنان والشكر لرسائل التأييد العديدة والدعم التي تلقتها قريتنا من الجاليات اليهودية في أنحاء مختلفة من العالم، وجماعات النشطاء الذين يعملون معنا جنبا إلى جنب بما فيهم إسرائيليون. هذه بكل بساطة حكاية عدالة ومساواة في مواجهة التهجير والاضطهاد.
